فقيده وحمله إلى سر من رأى مع جماعة من أهله، فلم يزل محبوسا بها ثلاث سنين ثم أطلق، وأقام بها إلى أن مات، وكان سبب منيته أنه جدر فمات في الجدري. قال:
وهو الذي يقول في الحبس «١» :
طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتشعبت شعبا به أشجانه
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألّق موهنا لمعانه «٢»
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذّرا متمنع أركانه «٣»
فدنا لينظر أين لاح فلم يطق ... نظرا إليه وردّه سجانه «٤»
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحت به أجفانه «٥»
ثم استعاذ من القبيح وردّه ... نحو العزاء عن الصبا إيقانه «٦»
وبدا له أن الذي قد ناله ... ما كان قدّره له ديّانه
حتى استقر ضميره وكأنما ... هتك العلائق عامل وسنانه
يا قلب لا يذهب بحلمك باخل ... بالنّيل باذل تافه منانه «٧»
يعد القضاء وليس ينجز موعدا ... ويكون قبل قضائه ليّانه
خدل الشّوى حسن القوام مخصر ... عذب لماه طيّب أردانه «٨»
واقنع بما قسم الإله فأمره ... ما لا يزال عن الفتى إتيانه «٩»
والبؤس فإن لا يدوم كما مضى ... عصر النعيم وزال عنك أوانه «١٠»
فحدثني عمي الحسين بن محمد، قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر، قال «١١» كنت مع أبي عبد الله محمد بن علي بن صالح بن علي الحسني في منزل بعض أصحابنا، فأقام عندنا حتى انتصف الليل، وأنا أظنه يبيت بمكانه، فإذا هو قد قام فتقلّد سيفه وخرج، فأشفقت عليه من خروجه في ذلك الوقت، وسألته المقام والمبيت، وأعلمته خوفي عليه، فالتفت إليّ مبتسما وقال: