للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلاهما في التوصل إلى المطلوب على حد واحد، فيأخذ بعض المتشددين بالطريق الأصعب، الذي يشق على المكلف مثله، ويترك الطريق الأسهل بناء على التشديد على النفس، كالذي يجد للطهارة مائين: سخنا وبارداً فيتحرى البارد الشاق (١) استعماله، ويترك الآخر، فهذا لم يعط النفس حقها الذي طلبه الشارع منه، وخالف دليل رفع الحرج من غير معنى زائد، فالشارع لم يرض بشرعية مثله» (٢).

وبهذا يندفع توهم معارضة النصوص الواردة في ترتب الأجر على المشقة، للأصل العظيم السابق تقريره وهو أن أفضل الأعمال ما كان على وجه الاقتصاد والتيسير، وأنها أحب إلى الله مما كان منها على وجه التشدد والتعسير.

وبه يتحقق المقصود من تقرير هذا الأصل في باب المفاضلة بين الأعمال، وكونه من المبادئ العظيمة لهذا الدين بحسب ما تقدم ذكره من الضوابط الواجب مراعاتها في هذا الباب والله تعالى أعلم.


(١) قوله (البارد الشاق) إنما قصد الشاطبي : التمثيل عندما يكون استعمال البارد هو الشاق، لا أن البارد لازم للمشقة، بل قد يكون الساخن هو الشاق كما في بعض الأوقات في البلدان الحارة، أو في حق بعض الناس، ولو كانت العبارة ( … فيتحرى ما يشق استعماله) لكانت أدق دفعاً للإيهام.
(٢) الاعتصام ١/ ٣٤٠.

<<  <   >  >>