للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة، كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر: يكون أجره أعظم من القريب، كما قال النبي لعائشة في العمرة: «أجرك على قدر نصبك». لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، وبالبعيد يكثر النصب فيكثر الأجر ..

فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، وهذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم». (١)

ويقول الإمام الشاطبي «إن المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظراً إلى عظم أجرها، وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل، أما هذا الثاني فلأنه شأن التكليف في العمل كله، لأنه إنما يقصد نفس العمل المترتب عليه الأجر، وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به، وما جاء على موافقة قصد الشارع هو المطلوب.

وأما الأول فإن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات كما يذكر في موضعه إن شاء الله فلا يصلح فيها إلا ما وافق قصد الشارع، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة خالف قصد الشارع، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد للمشقة باطل، فهو إذا من قبيل ما ينهى عنه، وما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض». (٢)

وذكر في الاعتصام في معرض الحديث عن البدع: «فمن ذلك أن يكون للمكلف طريقان في سلوكه للآخرة، أحدهما سهل والآخر صعب،


(١) مجموع الفتاوى ١٠/ ٦٢٠ - ٦٢٢ وانظر أيضاً الكتاب نفسه ٢٢/ ٣١٣ - ٣١٥.
(٢) الموافقات ٢/ ١٢٨ - ١٢٩.

<<  <   >  >>