للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل قد جاء في النصوص أن المانع من تشريع بعض الأمور، التي هي محبوبة للشارع، وتتحقق بها بعض المقاصد الشرعية، إنما هو دفع المشقة عن الأمة.

كقوله : «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة». (١)

وأخر صلاة العِشَاء يوما وقال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا». (٢)

فبين النبي أن المانع له من الأمر بالسواك عند كل صلاة، وتأخير العشاء إلى ذلك الوقت، هو خشية المشقة على الأمة، ومعلوم أن النبي إذا كان قد ترك بعض ما هو محبوب في الشرع لرفع المشقة عن أمته، لا يمكن مع هذا أن يأمرها بسلوك مسلك الشدة في العبادة من غير مصلحة ويرتب الثواب على ذلك. فهذا من أبعد ما يكون، وهو من أظهر الأدلة لهذه المسألة والله أعلم.

وأما ما جاء عن العلماء في تقرير هذه المسألة:

فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة، ليس بمستقيم على الإطلاق، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة … ولو قيل الأجر على قدر منفعة العمل وفائدته، لكان صحيحاً اتصاف (الأول) باعتبار تعلقه بالأمر (والثاني): باعتبار صفته في نفسه.

فأما كونه مُشِقاً (٣) فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقاً، ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه


(١) أخرجه البخاري الصحيح مع الفتح ٢/ ٣٧٤ ح (٨٨٧) ومسلم ١/ ٢٢٠ ح (٢٥٢).
(٢) أخرجه البخاري الصحيح مع الفتح ٢/ ٥٠ ح (٥٧١).
(٣) جاء في حاشية الكتاب طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف «هكذا وردت في المطبوع ولعل الصواب (شاقاً)»

<<  <   >  >>