للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصبك» (١)

وفي رواية: «إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك». (٢)

وقوله «أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى». (٣)

وقد نقل ابن حجر عن ابن المنير وغيره في شرحه «إن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة». (٤)

والجواب على هذا أن المشقة المذكورة في هذه النصوص والتي يعظم الأجر بقدرها، هي المشقة التي يستلزمها العمل دون أن تكون مقصودة للشارع ولا للعامل، فالحج والاعتمار من الأماكن البعيدة، مثلا، أعظم أجراً من الحج والاعتمار من الأماكن القريبة، وذلك لزيادة النفقة والنصب في حق القادم البعيد، وإن كانت الكلفة الحاصلة بذلك ليست مقصودة للشارع ولا للعامل، لكن لا سبيل لتحقق المشروع إلا بها ولا سبيل لدفعها، فيؤجر العامل عليها، وهذا بخلاف ما لو أمكن دفعها فتعمدها العامل، فلا يؤجر عليها، كأن يكون للحاج أو المعتمر طريقان أحدهما قريب سهل، والآخر بعيد شاق، فسلك البعيد طلباً للأجر بزيادة المشقة، فلا يؤجر على ذلك بل يلحقه الذم، حيث لم يسلك مسلك الرفق في تحقيق المشروع، وهذا التقرير هو الذي دلت عليه النصوص وأقوال أهل العلم.

أما النصوص فكثيرة جداً، وقد تقدم في بداية هذا الفصل ذكر طرف منها، وهي متضمنة أن الله لم يرد بنا في الدين العسر، ولم يشرع لنا ما فيه كلفة وحرج ومشقة علينا، فضلاً أن تكون الكلفة والمشقة مقصودة بالتشريع.


(١) أخرجه البخاري الصحيح مع الفتح ٣/ ٦١٠ ح (١٧٨٧) ومسلم ٢/ ٨٧٧.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ١/ ٦٤٤ وقال (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري الصحيح مع الفتح ٢/ ١٣٧ ح ٦٥١ ومسلم ١/ ٤٦٠، ح (٦٦٢)
(٤) فتح الباري ٢/ ١٣٨.

<<  <   >  >>