للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهرج كهجرة إليَّ». (١)

فجعل للعامل في الهرج وهي «الفتن واختلاط أمور الناس» (٢) أجر المهاجر إليه، وهذا وجه آخر من الأوجه التي يشرف بها العمل بأن يعطى العامل أجره كأنما عمل مع النبي ، وله من المعاني والترغيب في الأجر وحفز الهمم غير ما يحصل بالمعنيين المتقدمين.

والمقصود هنا بيان فضل العمل في حال الفتن على العمل في غيرها من هذه الأوجه الصحيحة كلها على ما دلت عليه الأحاديث السابقة والله تعالى أعلم.

ثانيا: أحوال غفلة الناس.

فقد جاءت النصوص بالترغيب في العمل فيها على ما جاء في حديث أسامة بن زيد وفيه قال قلت: «يا رسول الله ولم أرك تصوم من شهرين ما تصوم من شعبان قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». (٣)

قال ابن رجب وفي قوله: «يغفل الناس عنه بين رجب ورمض ٠ ان، إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله، من الأزمان، أو الأماكن، أو الأشخاص، قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً، أو الخصوصية، فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله ﷿، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فضل القيام في وسط الليل، لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر …


(١) صحيح مسلم ٤/ ٢٢٦٨ ح (٢٩٤٨).
(٢) انظر شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ٨٨.
(٣) تقدم تخريجه والحكم عليه ص: ١٥٦.

<<  <   >  >>