للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك حال صلاته، أو في صيامه، أو تصدقه، أو قتاله الكفار مثلا، فهو الذي بلغ الغاية القصوى، والعلم عند الله تعالى». (١)

وبهذا يتبين أن الذكر المفضل على سائر الأعمال في حديث أبي الدرداء، وما جاء في معناه من النصوص، هو ما كان مصاحبا للاستدامة، ومقارنة الأعمال الصالحة الأخرى، وتفضيل الذكر بهذا الاعتبار لا يقتضي تفضيل جنسه على جنس الجهاد، والعلم، وغيرهما من الأعمال؛ إذ المداومة على العمل أو اقترانه بالأعمال الصالحة من الأحوال المؤثرة في تفضيل العمل عند مصاحبتها له فيفضل بها ويشرف على غيره من الأعمال التي خلت منها وإن كان هذا العمل مفضولا باعتبار جنسه.

وهذا مما يدل على عدم معارضة حديث أبي الدرداء، وما في معناه من النصوص، للنصوص الأخرى في تفضيل العلم، والجهاد باعتبار جنس العمل، فتفضيل الذكر في حديث أبي الدرداء باعتبار، وهو ما يصحب العمل من الأحوال المؤثرة، والتفضيل للعلم، والجهاد، باعتبار آخر وهو التفضيل باعتبار الجنس.

وكذلك ما قيل في الذكر هنا مقارنا بالعلم والجهاد، يقال في الجهاد مقارنا بالعلم وأن ما جاء من النصوص مما ظاهره تفضيل الجهاد على العلم محمول على ذلك.

كحديث أبي هريرة السابق في تفضيل الجهاد أن رجلا سأل النبي أن يدله على عمل يعدل الجهاد فقال النبي : «لا أجده». (٢) فإن هذا محمول على الجهاد الدائم غير المنقطع. يدل على هذا قوله بعد ذلك: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك … إلى آخر الحديث. فدل هذا على أن الجهاد الذي لا يعدله عمل وهو الجهاد الدائم الذي لا يرجع صاحبه من الغزو،


(١) فتح الباري لابن حجر (١١/ ٢١٠).
(٢) تقدم تخريجه ص: ٣١

<<  <   >  >>