للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فثبت بهذا العرض للنصوص، وأقوال السلف، وأهل العلم من بعدهم تفضيل العمل الدائم المستمر وإن قل، على العمل الكثير المنقطع. وهذا مما يتقرر به أن المداومة على العمل من أسباب التفاضل بين الأعمال فيفضل بها العمل على غيره وإن كان ذلك الغير أفضل من حيث الجنس أو أكثر من حيث الحجم وامتداد والوقت.

وقد اجتهد العلماء في استنباط الحكمة والعلة التي شرف بها العمل مع المداومة على غيره فذكروا في ذلك أقوالا كثيرة:

قال ابن الجوزي: «إنما أُحِبَّ الدائم لمعنيين:

أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم.

الثاني: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتا ما كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع». (١)

وقال القرطبي: «وسبب ذلك أن التخفيف يكون معه الدوام والنشاط، فيكثر الثواب لتكرار العمل، وفراغ القلب، بخلاف الشاق منها؛ فإنه يكون معه التشويش والإنقطاع غالبا». (٢)

وقال النووي: «وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة، والذكر، والمراقبة، والنية، والإخلاص، والإقبال، على الخالق ، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة». (٣)

وقال ابن رجب: «إن دوام العمل وإيصاله، ربما حصل للعبد به في عمله


(١) ذكره ابن حجر في الفتح (١/ ١٠٣)، وقد بحثت عنه في مظانه من كتب ابن الجوزي فلم أجده.
(٢) المفهم (٢/ ٤١٣).
(٣) شرح صحيح مسلم (٦/ ٧١).

<<  <   >  >>