للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الماضي ما لا يحصل له فيه عند قطعه، فإن الله يحب مواصلة العمل ومداومته، ويجزي على دوامه ما لا يجزي المنقطع منه». (١)

وقال أيضا: «فمن عمل عملا يقوى عليه بدنه في طول عمره في قوته وضعفه استقام سيره، ومن عمل ما لا يطيق فإنه قد يحدث له مرض يمنعه من العمل بالكلية، وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل، فيصير كالمُنْبَتِّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى (٢)». (٣)

وقال ابن حجر في الحكمة من نهي النبي عن التشدد في العبادة: «إشارة إلى كراهة ذلك، خشية الفتور والملال على فاعله، لئلا ينقطع عن عبادة التزمها فيكون رجوعا عما بذل لربه من نفسه». (٤)

وبعض هذه المعاني التي ذكرها العلماء متقاربة، وما اختلف فيه منها فلا يبعد أنه مقصود كله لله في تشريعه، فلله تعالى الحكمة البالغة، التي لا يحيط بها خلقه، وإنما يذكر كل واحد منهم ما عرف، وكل في علم الله وحكمته.

وإذا تقرر أن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله أدومها، فهل المداومة مشروعة في كل الأعمال أم في بعضها دون بعض؟ الصحيح من هذا أن الأعمال من حيث المداومة عليها أو عدمها ليست على باب واحد وتفصيل ذلك مرجعه إلى سنة النبي وهديه في تعبده.

والظاهر من السنة أن الأعمال في هذا على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: ما كان النبي يلتزمه، ويداوم عليه في السفر، والحضر،


(١) فتح الباري لابن رجب (١/ ١٦٦).
(٢) قطعة من حديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (٢٠/ ٣٤٦) برقم (١٣٠٥٢) ونصه: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى «.
(٣) لطائف المعارف (ص: ٢٤٢).
(٤) فتح الباري (٣/ ٣٧٥).

<<  <   >  >>