شهوداً يحضرون مجلسه، وشطر عليهم ألا يحضروا مجلس ابن عمه، فبقي الناس في أمر مَريج، فمن رفع قصة إلى لاحسين رفع غريمه قصة إلى عبد العزيز. وإذا حضر عبد العزيز إلى الجامع تخلو دار الحسين. فكثر الكلام في ذلك والخوض فيه، فكتب الحاكم بخطه سجلاً بأنه لم يأذن لغير الحسين أن يشارك الحسين فيما فوض إليه، وأمر بأن يمنع من يسجل علي غيره في شيء من الأحكام. وأن من دعا أحداً من الخصوم، وكان قد سبق إلى الحسين أن لا يمكن أحداً منه. وقرئ هذا السجل على الملأ، وانشرح خاطر القاضي بذلك.
ولم يزل على جلالته، حتى أفرط في مجاوزة الحد في التعاظم، وألزم الشهود بحضور مجلسه في داره، وبالجامع، ومن غاب منهم لزمه جعْلٌ جيد يؤخذ منه.
وكان يتتبع قراءة ما يسجل عليه عنده، قبل أن يشهد به على نفسه. وكان مع ذلك كثير الإفضال على أهل العلم والأدب والثبوت، ولهم عليه جرايات من القمح والشعير مشاهرة وغيرها. ويصلهم بالملابس وغير ذلك. واستمر إلى أن خرج أمر الحاكم بصرفه عن الحكم في شهر رمضان سنة أربع وتسعين. فلم يشعر وهو بداره حتى دخل عليه من أعلمه بأن ابن عمه عبد العزيز ولي القضاء. فأنكر ذلك إلى أن تحقق. فأغلق بابه ولزم بيته. واشتد خوفه، إلى أن كان في السادس من المحرم فأمر الحاكم فأحضر على حمار نهاراً. وأمر بحبسه إلى أول سنة خمس وتسعين فضربت عنقه هو وأبو الطاهر المغازلي، ومؤذن القصر. وأحرقت جثث الثلاثة عند باب الفتوح.
وكان مما أنكره الحاكم قصة الرجل الذي ضربه وإلى الشرطة فمات كما تقدم، وقد ذكر إبراهيم بن الرقيق في تاريخ إفريقية قصة الحسين هذا مع الحاكم. فقال ما نصه: وقتل الحاكم قاضية حسين بن علي بن النعمان فأحرقه بالنار. قالوا: وكان من أسباب قتله أن الحاكم كان قد ملأ عينة ويده، وشرط عليه العفة عن أموال الناس، فرفع إلى الحاكم شخص متظلم رقعةً يذكر فيها أن أباه مات. وترك له عشرين ألف دينار، وأنها كانت في ديوان القاضي حسين، وكان ينفق عليه منها مدة معلومة. فحضر يطلب من ماله شيئاً فأعلمه القاضي أن الذي له نفد، فاستدعى الحاكم بالقاضي، فدفع إليه الرقعة، فأجابه بما قال للرجل، وأن الذي خلفه أبوه استوفاه من نفقته. فأمر الحاكم بإحضار ديوان القاضي في الحال،