للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قد فرغْتُ من أمورهم، وانصرف الناس. فقال: فعدت بعد أيام، فدعا بسفَطَين، الواحد فيه ثياب دَبيقِي، عشرة أثواب. والآخر فيه شَرْب عشرة أردية. فقال: كم يساوي كل سَفَط؟ قلت: مائة دينار. فبكم اشتراهما القاضي؟ فقال: بجلسة محمد بن بدر أول أمس. فقلت رخص ذلك؟. وكان قوى النفس كثير الجهد واسع الحيلة.

وكان الوزير علي بن عيسى منحرفاً عنه. ولما سعى في قضاء مصر دافع بولايته وكان السبب في انحرافه عنه، وأنه كان تولى قضاء دمشق. فاتفق أن الوزير دخل دمشق في مهم من المهمات. فخرج أهلها إلى لُقِيِّهِ ومنهم القاضي. فسايره، فصاح به أهل البلد، ونسبوا القاضي إلى كل سوء من الرِّشا والظلم وغيرهما من الفواحش، والوظير يلتفت إليه فيقول له: ما يقول هؤلاء؟ فقال: يشكون إلى الوزير غلو الأسعار وضيق الأحوال، ويسألون حسن النظر إليهم والعطف عليهم.

فلما عاد إلى بغداد صرفه عن الحكم بمشق أقبح صرف.

وكان مفلح المقتدري يساعد ابن زَبْر، وابنُ الجرّاح يدافعه. وعجز ابن زَبْر عن رضاه، فأعمل الحيلة، فدفع لشخص عشرين ديناراً. وأعطاه رقعة وأمره أن يلقيها في ورق المظالم، فألبسه في آخر الليل ثوباً مشمَّراً في زي الخراسانية.

ودفع إليه دفترا ومحبرة، ونقَّط في ثوبه الحبر وأركبه زورقاً. قال: فقرأت الرقعة فإذا فيها بعد البسملة والحمدلة: حضر مدينة السلام رجل من خراسان يريد الحج واشتغل بكتابة الحديث إلى أوان الحج. فرأى ثلاث ليالٍ متوالية العباسَ بن عبد المطلب في وسط مدينة السلام بيني داراً. فكلما فرغ من موضع، تقدم رجل فهدمه. فقلت له: يا عم رسول الله، من هذا الذي بُليتَ به؟ فقلا: هذا علي بن عيسى، كلما بنيت لولدي بناء هدمه. فرميت الرقعة في ورق المظالم.

ورجعت فوجدت ابن زبر قائماً ينتظرني فقال: ما فعلت؟ قلت: رأيت خادماً وامرأة عليها نقاب كحلي. فقال: هذه أم موسى القهرمانية. قال: فأنت قرأت الرقعة؟ قلت لا. فحلَّفه على ذلك. ودعا بالغداء فأكل وأكلت معه، وكان زمن الصيف. فقام بعد الأكل للقائلة، فدخل البواب فقال: ابن الأشناني القاضي بالباب. فاستأذنت ابن زَبْر، فقال: يدخل. فدخل وهو يصيح يهنئ

<<  <   >  >>