فامتنع من تنحيته، فانصرف النضر وثبت داود، وكان محتاجاً إليه فانقطع عنه النظر. وكان القائم بأمر عيسى كله سليمان بن بُرْد، وكان مِقْدام بن داود يقول: ما رأيت أحداً أعلم بالقضاء وآلاته من سليمان، ولم يضطرب أمر عيسى حتى مات سليمان آخر سنة اثنتي عشرة ومائتين.
وقال عيسى بن لَهِيعَة: كان سعيد بن عيسى بن تَلِي على مسائل عيسى، ثم ضم إليه عبد الله بن عبد الحكم. فذكر يحيى بن عثمان أن ابن عبد الحكم أدخل في العدالة من لا قَدْرَ له ولا بيت، مثل فلان الحائك وفلان المُسِلماني، وفلان البياع. فيقال: إن أبا خليفة حُميد بن هشام الرّعَيني لقيه فقال له: يا ابن عبد الحكم، كان الأمر مستوراً فهتكته، وأدخلت في الشهادة من ليس لها أهلاً. فقال له ابن عبد الحكم: إن هذا الأمر دِينٌ، وإنما فعلت ما يجب عليّ. فقال أبو خليفة: اسألُ الله ألا يبلغك الشهادة أنت ولا أحداً من ولدك.
حكى ذلك ابن قُدَيْد، وزاد فكان الأمر كذلك، لقد بلغ هو وولَده بالبلَد ما لم يبلغه أحد ما قُبلت لأحد منهم شهادة قط.
قال أبو سعيد ابن يونس: وكان حميد بن هشام عبداً صالحاً، وهو ابن هشام بن حميد بن خليفة بن زرعة، شهد جده الأعلى زُرعة فَتْحَ مصر. وحدّث حميد عن الليث، وابن لَهيعة. وعُمِرّ طويلاً إلى أن مات في شوال سنة تسع وأربعين ومائة، ويقال مات قبل ذلك.
وقال ابن يونس ومحمد بن محمد بن الأشعث: ذُكر عيسى بن المُنْكَدر عنده أبي شَرِيك المُراديّ فقيل كان لا يحسن القضاء، فقال: معاذ الله، بل كان رجلاً صالحاً. ولقد كانت فيه خصلة حسنة نافعة للمسلمين لما ولي القضاء جعل له صاحب مسائل يسال له عن الشهود، ولم يقنع بذلك حتى يتنكَّر بالليل ويغطي رأسه ويمشي في السِكك يسأل عن الشهود. وقد رآه غير واحد من الثقات كذلك.