الاختلاف بين الشافعي وأهل مصر، وكانوا لا يعرفون إلا رأي مالك، فلما خالفه الشافعي وافقه جماعة كثيرة منهم فصار يقع بينهم الجدال والمنازعة. وإنما ولي عيسى القضاء بعد موت الشافعي بمدة طويلة.
وقال ابن قُدَيْد: قرأت من رقاع يحيى بن عثمان: سمع عيسى بن المُنْكَدِر رَجلاً ينشد وهو على القضاء يومئذ:
وَمَالهُ نَسَبٌ في النَّاسِ نَعْلَمُهُ ... إلا الحمارُ وَهَلْ للْعَيْر يُنْتَسَبُ
إني لأخْشَى عَلى تَيْمٍ مَعَرَّتُهُ ... كما يُخَافُ على ذي الصحة الجُرَبُ
قال وقرأت بخط يحيى بن عثمان: خاصم محمد بن أبي المّضاء إلى عيسى فحكم عليه فعرض لابن المنكدر بشيء فبقح، فأمر به فسُجن فلم يخرج من السجن حتى عزل عيسى. وكان عيسى يُنفق على عيال ابن أبي المضاء طول حبسه.
ورفع شخص إليه في ابن عبد ربه أن له عليه حقاً فلم يحضر، فأمر عيسى بإحضاره وضربه في المسجد عشرين سوطاً. وكان يجلس في المسجد غُدْوَةً ثم يروح ويعود لمجلس القضاء آخر النهار.
وخاصم إليه ابن يحيى بن حسان، فاتفق أنه ضحك في حال الخصومة فأمر به فلُطم.
وكان سبب عزله أنه كان بمصر جماعة من الصوفية وكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. كان عيسى معهم. فلما ولي القضاء كانوا يأتونه فيقولون: جرى كذا وكذا فينهض معهم، فإذا لامه إخوانه قال: لا بد من القيام بحق الله. فاتفق أن المأمون ولي أخاه أبا إسحاق إِمْرَة مصر فخافوا من سطوته، فسألوا القاضي أن يكتب إلى المأمون أنهم لا يرضون بولاية أبي إسحاق. فأقرأه المأمون الكتاب فغضب وقال: لأفعلن بعيسى كذا وكذا، وأمر بعزله، فلما دخل مصر