للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال عبد الغني بن سعيد: كَانَ مفوَّهاً شاعراً، حسن البديهة، حاضر الجواب والحجة، عَلاَّمةً، عارفاً بأيام الناس، غزير الحِفْظ، لا يملَّه جليسه من حسن حديثه، جَواداً. سمعت الوزير ابن كِلِّس يقول: لي الأستاذ كافور: اجتمِعْ بالقاضي وقُل لَهُ: بلغني أنك تَنْبَسط مع جُلَسائك، وهذا الانبساط يُذهب هَيْبة الحُكْم. قال: فجئته فأعْلَمْتُهُ فقال لي قل للأستاذ: لستُ ذا مال أفيض بِهِ على جليسي فلا يكون أقلّ من خُلُقي. قال: فأعدتُ الجواب عَلَى الأستاذ فقال: لا تعاوِدْهُ فقد وضع القَصْعة. يعني أنه عرَّض لَهُ بطلب مَا يوسّع عَلَى خواصّه من المال. ووضع القَصْعَة: كناية عن الطلب، لأن العادة جرت أن من احتاج يضع إناء بَيْنَ الرؤساء ليجعل كل منهم فِيهَا مَا تطيب بِهِ نفسه فإذا انتهى ذَلِكَ أخذها صاحبها بما فِيهَا. وهذا الآن فِي عُرف أهل العصر يقال: طوفوا لفلان بطاسة عَلَى الرؤساء. أَوْ نحو هَذَا من الكلام.

قال عبد الغني: وبلغني أن أباه خلَّف مالاً كثيراً فأنفقه وَكَانَ يذهب إِلَى قول مالك وربما اختار.

وقال الخطيب: حدَّث ببغداد، ونزل مصر وحدَّث بِهَا فأكثروا عنه، وَكَانَ ثِقَةً. وولاَّه عمر بن أبي عمر قضاء واسط وأقام بِهَا مدةً طويلةً.

وقال ابن ماكولا: كَانَ آخر من حدَث عن ثعلب وَكَانَ ثقةً ثبتاً كثير السماع فاضلاً.

وقال أبو محمد بن أبي زيد: كَانَ فقيهاً أديباً مُسْنداً لَهُ قدر وجلالة.

وقتال ابن زُولاق: كَانَ كثير الحديث واسع الذاكرة عُنِي بِهِ أبوه، وسَمَّعَهُ. وأول مَا دخل مصر سنة أربعين بعد أن ولي قضاء دمشق لأن أهل دمشق آذوه وكتبوا فِيهِ محضراً وساعدهم كافور، فوردت كتب المطيع بصرفه عن قضاء دمشق، فصُرف أقبح صرفٍ، وقرئت الكتب عَلَى المنبر فِي جامع مصر، وولي عِوَضه الخَصيبيّ فاستمر أبو طاهر بمصرٍ فلمَّا مات الخصيبيّ وولي ابنه ثُمَّ مات ابنه عن قُرْب وبقيت مصر بغير قاضٍ، فُكُلِّك كافور فِي ولاية أبي الطاهر فامتنع، وعيّن عثمان بن محمد بن شاذان قاضي الرَّمْلة بسعاية جعفر بن الفضل الوزير، فشاع بمصر موت عثمان المذكور، فبذل عبد الله بن وليد لكافور ثلاثة آلاف دينار فاجتمع الشهود وأعيان مصر عَلَى الرِّضَا

<<  <   >  >>