ثم رجع وأكمل كتابه (تَغْليق التعليق) في حياة كبار مشايخه، فكتبوا عليه، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، إلا أن أذن له. وأذن له بعد إذنه، شيخه الحافظ زين الدين العراقي. ثم أخذ في التصنيف، وأملى الأربعين المتباينة بالشيخونية من سنة ثمان وثمانمائة، ثم أملى من عشاريات الصحابة نحو مائة مجلس في عدة سنين. ثم ولي درس الحديث بالمدرسة الجمالية الجديدة فأملى فيها، ثم قطعه لما تركها في سنة أربع عشرة وثمانمائة. وتشاغل بالتصنيف، ثم ولي مشيخة البيبرسية ثم تدريس الشافعية بالمدرسة المؤيدية الجديدة. ثم ولي القضاء في السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ثم عقد مجلس الإملاء في أوائل صفر منها إلى الآن.
أحمد بن علي بن منصور بن محمد بن محمد بن أبي العز بن صالح ابن وُهَيب الدمشقي شرف الدين أبو العباس الحنفي. من أهل المائة الثامنة. ولد في سنة عشر وسبعمائة تقريباً. وسمع الحديث واشتغل كثيراً ومهر، وأُذِن له في التدريس فدرس وأفتى وأعاد.
طلبه السلطان الملك الأشرف من دمشق فقدم ولم يذكر أمره للسلطان بواسطة بعض أهل الدولة، لغرض له كان في تولية غيره. فلم يوافقه السلطان على ذلك. وتذكر أمر شرف الدين فأمر بإحضاره، فخلع عليه في رابع شهر رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة. فباشر قليلاً ثم ترك، ورجع إلى الشام وذلك في شهر رمضان منها.
وكان صارماً مهيباً نزهاً، قَوَّالاً بالحق، لا يقبل لأحد هدية، ولا يعمل برسالة أحد من أهل الدولة، ولا يراعيهم، فكثرت عليه رسائلهم. فكره الإقامة بينهم وسأل العزل مرة بعد مرة. وكان مع ذلك قامعاً لأهل الظلم، منصفاً للمظلوم، كثير النفع للناس. وكانت مقاصده جميلة وأموره مستقيمة، إلا أنه لا يجد من يعاونه. وكان دمث الأخلاق، طارحاً للتكلف، كثير البِشر، جميل المحاضرة متواضعاً. وكان يباشر صرف الصدقات بنفسه ما بين دراهم وخبز.