للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥) } الاستواء معناه الاستيلاء والقهر، وقال فى قوله تعالى سورة ص: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (٧٥) } اليد يد القدرة، وكل ذلك وأمثاله منكر من القول وتزوير فى لغة العرب، لأن العرب عند التحقيق لا تعرف أبدا الاستواء بمعنى الاستيلاء والقهر، ولا اليد فى مثل هذا السياق بالذات بمعنى القدرة، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل لأنه ما حرف إلا لأنه عطل وما عطل إلا لأنه كيف ومثل فجمع أنواع الضلال فى هذا الباب بتأويله الباطل.

كما يجب على المسلم أن يتنبه إلى أن السلف استعملوا التأويل فى عصرهم بمعنى غير ما يعرف الآن عند الأشعرية أو علماء الكلام، فكان السلف يستعملون التأويل فى معنيين اثنين:

المعنى الأول: هو الحقيقة التى يؤول إليها الكلام أو الحقيقة المعبرة عن مدلول الكلام، وهذا المعنى هو الذى نطقت به آيات الكتاب، فلقد تكررت كلمة التأويل فى القرآن فى أكثر من عشرة مواضع كان معناها فى جميع استعمالاتها، الحقيقة التى يؤول إليها الكلام كقوله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام: {ورَفعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا (١٠٠) } ومن السنة قول عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) (١) تعنى أنه كان ينفذ فى سجوده أمر اللَّه


(١) صحيح أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (٧٧٥) .

<<  <   >  >>