٢ - أن ينفى عن الله ﷿ ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ، من دون تعطيل، وهذا النفي نفي غير محض بل هو يتضمن إثبات كمال ضده، فإذا قلت ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ فمعناه نفي الظلم عنه وإثبات كمال ضده وهو عدله ﷾ وهكذا. ٣ - اليأس وقطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات، ومعناه أن العقول البشرية محدودة المعرفة، وقد حجب الله ﷿ عنها علم كيفية صفاته ﷾؛ لأن الكيفية لا تعلم إلا بأمور: أ - مشاهدة الشيء. ب - مشاهدة نظيره. ج - أو الخبر الصادق عنه. ولما لم نتعرف على كيفية صفات الله بجميع حواسنا، ولم نعلم كيفية صفات نظيره؛ لأنه ﷾ لا نظير له ولا ند ولا كفؤ. لم يبق إلا الخبر الصادق عنه أو عن رسوله ﷺ، ولم يأت الخبر عن الكيفية فوجب الوقوف عند النصوص في ذلك والسكوت عما سكت عنه السلف الصالح ﵏. أما القبضة، فهي ثابتة لله ﷿ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)﴾ [الزمر: ٦٧]. وعن ابن عمر ﵄ عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إن الله يقبض يوم القيامةَ الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك" رواه البخاري في التوحيد: (١٣٦)، ومسلم: (٤/ ٢١٤٨)، واللفظ للبخاري، وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وابن مسعود. انظر: "التوحيد" لابن خزيمة: (١/ ١٦٦ - ١٧٣). والقبض هنا دليل على إثبات صفة اليدين لله ﷿؛ لأن القبض صفة لهما. قال ابن القيم ﵀: (ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع، وورد متنوعًا متصرفًا فيه مقرونًا على أنها يد حقيقية من الإمساك، والطي، والقبض، والبسط، والمصافحة، والحثيات، والنضح باليد، والخلق باليدين) إلى آخر ما ذكر. "مختصر الصواعق": (ص ٣٤٨). وبعد هذا يتبين لك أن ما ذهب إليه السخاوي ﵀ من تأويل الأصابع والقبضة بل واليد إلى الملك والقهر خطأ عظيم خالف فيه الكتاب والسنة واللغة وسلف الأُمة والذي حمله على هذا ظنه أن في تأويله لصفة اليد والأصابع تنزيه لله ﷿ عن مشابهة المخلوقين، والجواب أن يقال: قال تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٠]، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].