ما يمكن منه والتقدم بالتحفظ لئلا يحدث أو ليقل أو يضعف ما يحدث منه، وذلك يكون بتأمل هذه المعاني التي أنا ذاكرها أقول: إنه لما كانت المادة التي منها تتولد المغموم إنما هي فقد المحبوبات، ولم يمكن أن لا تفقد هذه المحبوبات لتداول الناس لها وكرور الكون والفساد عليها، وجب أن يكون أكثر الناس وأشدهم غما من كانت محبوباته أكثر عددا وكان لها أشد حبا، وأقل الناس غما من كانت حاله بالضد من ذلك. فقد ينبغي إذا للعاقل أن يقطع مواد الغموم عمه بالاستقلال من الأشياء التي يجلب فقدها غما، ولا يغتر وينخدع بما نعها - ما دامت موجودة - من الحلاوة، بل يتذكر ويتصور المرارة المجرعة عند فقدها
فإن قال قائل إن من توقّى اتخاذ المحبوبات واقتناءها خوفا من الغم عند فقدها فقد استعجل غماً، قيل له إنه وإن كان هذا المتوقَّى المحترس قد استعجل غما فليس ما استعجله بمساوٍ لما خاف الوقوع فيه منه. وذلك أنه ليس اغتنام مَن ولد له كاغتنام من أُصيب بولده هذا إن كان الرجل ممن يغتنم بأن لا يكون له ولدٌ فضلاً عن غيره ممن لا يبالي ولا يعبأ بذلك ولا يغتمُّ له بتّةً ولا غمُّ من لا معشوق له كغم مَن فقد معشوقه. وقد حُكي عن بعض الفلاسفة أنه قيل له لو اتخذت ولداً. فقال إني من السعي في إصلاح جسدي هذا ونفسي هذه في مؤنٍ وغمومٍ لا قِوامَ لي بها، فكيف أضُم وأقرن إليها مثلها؟ وسمعت مرأةً عاقلةً تقول إنها عاينت يوماً مرأةً شديدة التحرق على