والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أوضح الأدلة قوله تعالى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(٤٢ - ٤٣) سورة المدثر]: أول ما بدؤوا به فرع من فروع الشريعة، إضافةً إلى دخولهم في عموم الأوامر والنواهي، لا سيما فيما يُصدَّر بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [(٢١) سورة البقرة].
هم مطالبون أيضاً بما لا يتم ذلك إلا به -كالإسلام إجماعاً- هذا قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني: أنهم غير مطالبين بشيء من ذلك -وهو قول الحنفية- ما لم يوجد شرط القبول، وأي معنىً للمطالبة -بمطالبة الكافر للصلاة- إذا كانت لا تصح منه إذا صلى، ولا يؤمر بقضائها إذا أسلم؟
الآن صلاة الكافر فقدت شرطاً من شروط القبول، وهو نية التقرب، والنية شرط لصحة العبادة، ولذا لا نستطيع أن نأمر بالأصل مع عدم الوسيلة، لا نستطيع أن نأمر بالمشروط مع عدم وجود الشرط، لكن يرد على قولهم هذا أننا لا نستطيع أن نأمر بالصلاة غير المتوضئ، فلا نستطيع أن نأمر شخصاً وهو غير متوضئ أن نقول له: صلِّ، بل لا بد أن نقول له: توضأ قبل ذلك، ثم نأمره بالصلاة، وهذا غير وارد.
والقول الثالث: أنهم مطالبون بالنواهي دون الأوامر؛ لأن كفهم عن ارتكاب المحرمات لا يحتاج إلى نية، متوقفة على الإيمان؛ لأنه ترك بخلاف أمرهم بالواجبات فلا؛ لأنها لا تصح بدون نية، والمرجح عند عامة أهل العلم القول الأول -قول الجمهور-؛ لقوة أدلتهم.
القول الثاني: دليلهم أنها لا تصح في حال كفره ولا يطالب بها إذا أسلم، إذن ما الفائدة من قولهم بالتكليف؟ نقول: مخاطبتهم بها، لا يعني أنها تصح بدون الإسلام؛ لقوله -جل وعلا-: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ} [(٥٤) سورة التوبة]، بل زيادة في عقوبتهم في الآخرة، يعاقبون عليها في الآخرة، وكونهم لا يؤمرون بقضائها إذا أسلموا؛ ترغيباً لهم في الإسلام، قال الله -جل وعلا-: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [(٣٨) سورة الأنفال].