مفهوم كلام المصنف أن كل نهيٍ يقتضي الفساد سواء رجع إلى ذات العبادة أو العقد أو إلى شرطهما أو ركنهما أو أمرٍ خارج عن ذلك، ويستوي في ذلك من صلى صلاةً غير مشروعة، أو على هيئة غير مشروعة ومن صلى صلاة مشروعة في بقعةٍ مغصوبةٍ أو توضأ بماءٍ مغصوب أو ستر عورته بحرير أو صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو غير ذلك، وهذا مقتضى مذهب أهل الظاهر.
أما مع اتحاد الجهة بين الأمر والنهي فلا إشكال في فساد النهي؛ لاستحالة الجمع بين النقيضين -أن يكون العمل مأموراً به منهياً عنه لذاته في آنٍ واحد- وأما مع انفكاك الجهة فلا يمتنع ذلك؛ فالإنسان مأمور بالصلاة، منهي عن ارتكاب المحرم كالغصب ولبس العمامة أو خاتم من حرير ونحو ذلك، فإن الخاتم والعمامة غير مأمور بهما بخلاف السترة وغيرها مما يشترط في الصلاة ويؤمر به من أجلها.
ظاهر؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟
صيغة النهي:
المضارع المقترن بـ (لا) الناهية، (لا تفعل)، ومثلها التصريح بالتحريم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(٣) سورة المائدة]، يقابله نفي الحل أيضاً، {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء} [(١٩) سورة النساء]، أو لفظ النهي كقول أبي سعيد:"نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الفطر ويوم النحر"، وقول الصحابي:"نهينا"، إذا قال الصحابي:"نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو قال: "نهينا عن كذا؟ " يدخل، لكن يختلف بين:"نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" و"نهينا"، أن "نهانا" مرفوع اتفاقاً وفي "نهينا" خلاف ذكرناه في "أُمرنا".
وإذا صرح الصحابي بالنهي دل على التحريم كصيغة (لا تفعل) عند جمهور أهل العلم، وهذا خلافٌ لداود الظاهري وبعض المتكلمين، نظير قولهم في:"أمَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً فيظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، وعرفنا ما في هذا القول من ضعف.