يفهم من عبارة ابن الحاجب أن هناك من خالف في جوازه؛ قال:"التخصيص جائز إلا عند شذوذ -يعني من الناس شواذ- قالوا بعدم جواز التخصيص، والسبب فيه ما ذكرنا"، ويستفاد من كلام ابن الهمام أن هناك من خالف في جواز التخصيص مطلقاً، ومنهم من خالف في جواز التخصيص بالعقل، ولم يشتغل ابن الحاجب بإيراد أدلة لهؤلاء المانعين بخلاف ابن الهمام، لكن لعل من أقوى أدلتهم ما ذكرناه.
الآن نفهم من كلام الغزالي في قوله:"جميع عمومات الشرع مخصصة، ولم يستثنِ من ذلك إلا قوله تعالى:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(٢٩) سورة البقرة]، هذا عموم باقٍ على عمومه اتفاقاً".
باتفاق من؟
من يعتد بقوله، أما من لا يعتد بقوله، كالفلاسفة الذين يقولون:"إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات" هؤلاء لا عبرة بهم، ولا ينبغي أن يشتغل بذكر أقوالهم وبحثها.
يقول:{بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(١٢) سورة الشورى]: هذا باقٍ على عمومه.
هناك مثَّل للعموم الذي دخله الخصوص -الذي خصص بالعقل-: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [(٦٢) سورة الزمر]، {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [(٥٧) سورة القصص]، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [(٢٥) سورة الأحقاف]: هذه العمومات باقية على عمومها أو مخصصة؟
مخصصة.
شيخ الإسلام لا يوافق على هذا الكلام الذي يردده كثير من الأصوليين وبعض المتكلمين؛ يقول:"يندر أن تجد نصاً باق على عمومه، يندر جداً".
مما ذكروه قوله تعالى:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(٢٩) سورة البقرة]، هذا الذي يذكرونه مما بقي على عمومه، وأما الباقي كله داخل في الخصوص".
لكن شيخ الإسلام يقول: "لو قرأنا القرآن من أوله إلى آخره على طريقة تلقين الصبيان آية آية .. " كلمة كلمة، وبحثنا في كل كلمة كلمة من القرآن وما دخلها من المخصصات، لوجدنا من النصوص الشيء الكثير مما بقي على عمومه، ماذا يقول شيخ الإسلام في كلامٍ طويل نقلته؛ لأهميته ونفاسته؟