للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

واستبعد إمام الحرمين هذا القول في البرهان وحملوا الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} على الأمر، يعني ما أمركم به النبي -عليه الصلاة والسلام- فخذوه؛ بدليل: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [(٧) سورة الحشر]، {مَا آتَاكُمُ}: يعني أمركم به، ما أمركم به؛ بدليل المقابل، {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

ذهب بعض العلماء إلى أنه يحمل على الندب، وهو قول أكثر الحنفية والظاهرية وبعض الشافعية ورواية عن أحمد، ورجحه إمام الحرمين في البرهان، والغزالي في المنخول، والشوكاني في إرشاد الفحول.

وذهب جمع من أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد ولتعارض الأدلة، لعدم معرفة المراد حينما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الفعل متقرباً به إلى الله -عز وجل- ولم يأمر به، لم يأمر به، ولم يثبت لنا دليل يدل على أنه من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- بل فعله على سبيل القربة والطاعة، وقلنا: إن هذا هو محل اقتداء وائتساء، لكن ليس فيه أمر، ولو كان واجباً لطلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اكتفى بفعله، وهذه حجة من يقول بأنه .. ، بأن الفعل المجرد عن القول إنما هو للندب.

وذهب بعض أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد، بعض أهل العلم يقول: نتوقف؛ لأننا لا ندري هل هو للوجوب أو للندب، وصرنا لا ندري نفعل وإلا ما نفعل، يقول: نتوقف حتى نجد دليلاً يدل أنه للوجوب، أو يدل على أنه للندب.

لكن أقل الاحتمالات أنه على الندب، والندب مطلوب الفعل أو مطلوب الترك؟

مطلوب الفعل، إذن لا وجه للتوقف هنا، ولذا يقول الشوكاني: وعندي أنه لا معنى للوقف في الفعل الذي قد ظهر فيه قصد القربة؛ فإن قصد القربة يخرجه عن الإباحة إلى ما فوقها والمتيقن مما فوقها الندب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي به فيه، فإذا خص زماناً أو مكاناً بعبادة كان تخصيصه تلك العبادة سنة" [هذا كلام شيخ الإسلام].

وإن كان فعله -عليه الصلاة والسلام- على وجه القربة والطاعة .. ، على غير وجه القربة والطاعة .. ، انتهينا مما يقصد به التقرب من قبله -عليه الصلاة والسلام- جاء الاحتمال الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>