يقول: معناه أن عيسى -عليه السلام- لا يقبل إلا الإسلام، فعلى هذا قد يقال: هذا خلاف حكم الشرع اليوم، فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام، وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة؛ وهو مقيد بما قبل عيسى -عليه السلام- وقد اخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه، وليس عيسى -عليه السلام- هو الناسخ بل نبينا -عليه الصلاة والسلام- هو المبين للنسخ.
الحقيقة أنه مبين للوقت الذي ينتهي به هذا الحكم، وإلا حقيقة النسخ: هو رفع الحكم، بل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو المبين للنسخ؛ فإن عيسى يحكم بشرعنا، يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كذا قال.
وعرفنا أن مثله هذا مغياً بغاية وهي نزول عيسى -عليه السلام- ومثله المنع من البيع في يوم الجمعة إلى انتهاء الصلاة بعد الأذان، ومثله أيضاً تحريم صيد البر مادام الإنسان محرماً حتى يحل.
طالب:. . . . . . . . . دفع الجزية هل .... ؟
هو بمجرد نزوله لا يقبل الجزية؛ خلاص تلتغي الجزية بنزول عيسى -عليه السلام-.
قوله: مع تراخيه عنه: أي مع مضي مدة يُتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه، مع مضي مدة يتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه، وهذا يخرج ما إذا كان الرافع غير متراخ بل كان متصلاً بالنص فلا يكون حينئذ نسخاً، بل يكون بياناً للشرط والصفة والاستثناء.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
النسخ نقل أو إزالة كما ... حكوه عن أهل اللسان فيهما
وحده رفع الخطاب اللاحق ... ثبوت حكم بالخطاب السابق
رفعاً على وجه أتى لولاه ... لكان ذاك ثابتاً كما هو
إذا تراخى عنه في الزمان ... ما بعده من الخطاب الثاني
النسخ ثابت في النصوص -ثابت شرعاً- كما أنه جائز عقلاً، النسخ في النصوص جائز عقلاً؛ لأن لله -عز وجل- أن يغير ما شاء متى شاء، ولا يسأل عما يفعل، يعني للإنسان أن يتصرف بمولاه، للسيد أن يتصرف بمولاه كيفما شاء، فيأمره بشيء وينهاه عنه، وللأب أن يأمر ابنه بشيء في يوم وينهاه عنه في يوم آخر إذا رأى المصلحة فيما انتقل إليه.