لكن الفقهاء جعلوا الحكم ما يقتضيه الخطاب، فجعلوا الحكم الوجوب المأخوذ من هذا الأمر في قوله -جل وعلا-: {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، وجعلوا الحكم تحريم الزنا المأخوذ من قوله تعالى:{لاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}، ولعل هذا أقرب.
والمراد بخطاب الله ما هو أعم مما جاء في القرآن فقط، بحيث يشمل ما جاء عن الله -عز وجل- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- فخطاب الله سواء كان في كتابه، أو على لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- كله خطاب من الله، والذي يجيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من عند الله؛ {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(٣ - ٤) سورة النجم]، فالذي يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- ابتداءً، ولا ينبه على أنه خلاف مراد الله -عز وجل- هو خطاب الله -عز وجل- أما اجتهاده -عليه الصلاة والسلام- وله أن يجتهد- فإن وافق ما عند الله -عز وجل- وهذا هو الكثير الغالب- فهو من عند الله حقيقة، وإن أخطأ -عليه الصلاة والسلام- في اجتهاده نبّه على خطئه في ارتكابه خلاف الأولى، كما جاء في قصة الأسرى، أسرى بدر، المقصود أن ما يجيء من عند النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من عند الله حقيقةً.
والمراد بأفعال المكلفين: ما يشمل الأفعال من جميع الجوارح، من أفعال القلوب وأفعال اللسان، أقوال اللسان والبدن.
طلباً: سواءً كان الطلب لفعل الشيء أو الطلب للكف عن شيء، وطلب الفعل يشمل الطلب الجازم وهو ما يعرف بالواجب، ويشمل الطلب من غير جزم فيشمل المندوب، وطلب الكف يشمل ما كان مع جزم فيدخل فيه المحظور، وما كان من غير جزمٍ فيدخل فيه المكروه.
أو تخييراً: من غير طلب لا فعل ولا كف، وهو غير مطلوب أصلاً، والمكلف مخير بين فعله وعدم فعله، وهذا هو المباح. أو وضعاً: فيدخل فيه ذلك الحكم الوضعي.
ما جاء من قولهم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً هذا هو ما يعرف بالحكم التكليفي، أو وضعاً يشمل الحكم الوضعي، والوضع يشمل ما ستأتي الإشارة إليه من الصحيح والفاسد وغيرهما.