إذا عرفنا هذا فالأحكام عند أهل العلم تنقسم إلى قسمين: أحكام تكليفية، وأحكام وضعية، أحكام تكليفية وأخرى وضعية، والأحكام التكليفية .. ، والأصل في التكليف أنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة، هذا الأصل فيه، ولا شك أن الشرع فيه تكاليف وفيه ما يشق على النفوس؛ لأن الجنة حفّت بالمكاره، هذا هو السبب في تسمية الأحكام بالتكليف؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، ولا يمنع أن يكون هذا التكليف .. ، يكون في بداية الأمر، ثم بعد ذلك يكون تلذذ بالطاعة، يعالج الإنسان نفسه على هذه التكاليف حتى تصير ديدناً لها فتتلذذ بها، وهذا معروف عند المسلمين قديماً وحديثاً، كثير من الناس يتلذذ بالطاعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول:((أرحنا يا بلال بالصلاة))، وحال أو لسان حال كثيرٍ من المسلمين يقول: أرحنا من الصلاة.
لا شك أن الصلاة تكليف على خلاف ما ترضاه النفس، لكن إذا اعتادها الإنسان وتعلق قلبه بها حدِّث ولا حرج من اللذة وانشراح الصدر في الصلاة، وجاهد السلف -بل كثير من الناس في القديم والحديث- جاهدوا أنفسهم من أجل قيام الليل، جاهدوا مدة ثم صار من شأنهم وديدنهم فتلذذوا به، وهكذا غير الصلاة من العبادات كالصيام في الهواجر من أشقّ الأمور على النفس، الصيام في الهواجر، لكنه من ألذ الأشياء عند من عوّد نفسه عليها وصار شأناً له وديدناً له والله المستعان، وقل مثل ذلك في سائر العبادات، كتلاوة القرآن، التلذذ بمناجاة الله -عز وجل- والخلوة به، والله المستعان، وهذا محروم منه كثير من الناس، والسبب انشغالهم بهذه الدنيا، والله المستعان.