وجدنا دليلاً يدل على الإباحة، والأصل الإباحة، اعتضد هذا الدليل بالأصل، وجدنا دليلاً ينقل عن هذه الإباحة -عن هذا الأصل- فهل نقول: نؤيد الدليل المبقي على الأصل بالاستصحاب؟ أو نقول: لا نعمل بالدليل الناقل عن الأصل، وهذا الدليل الموافق للأصل كان في أول الأمر، وإلا لزم على ذلك النسخ مرتين، نصير نقلنا عن الأصل، ثم نسخنا هذا الناقل، لكن كوننا نقول: إن هذا المبقي للأصل في أول الأمر، بناءً على أن الأصل الإباحة، ثم جاء ما ينقل عن هذا الأصل.
وعلى كل حال المسألة خلافية، هل الأصل .. ، هل يؤيد ما يؤيد الاستصحاب، والأصل أن يبقى الحكم على أصله، أو نقول: يرجح الناقل عن الأصل على المبقي له، المسألة معروفة.
المسألة أيضاً فيها أقوال أخر أضربنا عن ذكرها؛ اختصاراً.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وحد الاستصحاب أخذ المجتهد ... بالأصل عند دليل حكم قد فقد
عندنا مسألة ترتيب الأدلة، ترتيب الأدلة، كيف ترتِّب الأدلة؟
أنت باحث أردت أن تستوعب، أو كلفت ببحث مسألة، وأردت أن تستوعب جميع ما قيل فيها من أدلة، وبذلت جهدك، واجتمع عندك من الأدلة الشيء الكثير.
معلوم أنك تبدأ بالأدلة من الكتاب، نعم، ثم من صريح صحيح السنة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس، إلى آخر الأدلة، هذا الترتيب الطبيعي حسب القوة، ترتب من ظاهر، هل يستدل شخص على حكم المسألة يقدم القياس على الكتاب والسنة، أو يقدم السنة على القرآن؟!
نعم من أهل العلم من يكتفي بالإجماع، فيقول: المسألة هذه جائزة بالإجماع، أو دليلها الإجماع، وفيها دليل من الكتاب والسنة، فيستدرك عليه فيقال: هذا الحكم جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
فأنت عند ترتيبك للأدلة في المسألة الواحدة -ولو لم يحصل تعارض- الترتيب الطبيعي أن تبدأ بالقرآن ما يدل على هذه المسألة من كتاب الله -عز وجل-، ما يؤيد هذه المسألة من صحيح السنة، ثم بعد ذلك الأدلة الأخرى المتفق عليها والمختلف فيها على الترتيب.