الحلال يعني أعم من أن يكون مخيراً في فعله أو تركه، أعم من ذلك، فيشمل ما يفعله المكلف، سواء كان مقتضىً فعله مع جزم أو من غير جزم أو مأذون فيه.
ثم قال -رحمه الله تعالى- في القسم الخامس وهو المكروه:
والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله: هو اسم مفعول من الكراهة، وهو المبغض، وتعريفه عند المؤلف بلازمه كسوابقه، وحقيقته هو ما طلب الشارع تركه من غير جزم، وطلب الترك يخرج الواجب والمندوب والمباح؛ لأن الواجب والمندوب مطلوب فعلهما، والمباح غير مطلوب لا فعله ولا تركه، مخير فيه، وقوله: من غير جزم: يخرج المحظو، وهذا ما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، هذا ما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، ويطلق المكروه ويراد به الحرام، ولذا يقسم أهل العلم الكراهة إلى قسمين: كراهة تنزيه، وكراهة تحريم، وجاء في قوله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(٣٨) سورة الإسراء] بعد أن ذكر جملة من المحرمات، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}، وجاء في كلام السلف والأئمة ما يوافق ذلك، يطلق السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم، ولو قيل: إن هذا هو الغالب في إطلاقهم الكراهة لما بعد؛ لأنهم يتورعون من إطلاق اللفظ الشديد، فالإمام أحمد كثيراً ما يقول:"أكره كذا"، "لا يعجبني كذا"، وإن كانت الأمور محرمة:"أكره المتعة"، وهو يحرمها ويجزم بتحريمها، ولذا يخطئ كثير من أتباع الأئمة في فهم نصوصهم لمخالفتها لما جرى عليه الاصطلاح.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وضابط المكروه عكس ما ندب ... كذلك الحرام عكس ما يجب
وبهذا تكون الأحكام التكليفية الخمسة قد انتهى الكلام عنها، وأما الحكم الوضعي وهو داخل في الحد السابق للحكم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً، هذا هو الخطاب، أو الحكم الوضعي، وهو ما وضعه الشارع علامة ونصبه دلالة للمكلف.