للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد يجتمع الواجب مع المحظور في عملٍ واحد، باعتبارين، يعني مع انفكاك الجهة كالصلاة في الدار المغصوبة، وهو ما حرم من الواجبات لأمرٍ عارض لا لذاته، فإذا انفكت الجهة يمكن أن يوصف الفعل بأنه واجب، وفي الوقت نفسه محظور، ولذا يختلف أهل العلم في حكم الصلاة في الدار المغصوبة، والمعروف عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها فإنها تبطل مع التحريم، أما إذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج عن الذات والشرط وما لا تقوم إلا به، فإنها تصح مع التحريم، يعني فرق بين أن يصلي شخص وعليه عمامة حرير، أو خاتم حرير أو ستر عورته بسترة حرير أو ما أشبه ذلك أو سترة مغصوبة محرمة، مع انفكاك الجهة: يبالغ بعض الناس بالانفكاك، كما أن من أهل العلم والمعروف عن الظاهرية أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، ولو لم يعد إلى العبادة نفسها ولا إلى شرطها.

الصلاة في المسجد المزخرف على هذا إذا قلنا: كل نهي يقتضي الفساد، الصلاة في المسجد المزخرف المشيّد المنهي عنه فاسدة عند الظاهرية؛ لوجود النهي وهو نهي خارج عن العبادة، لكن كل نهي يقارن هذه العبادة ولو كان خارجاً عنها فإنه يقتضي الفساد.

وبالمقابل من يبالغ بانفكاك الجهة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما يقوله بعض الأشعرية من وجوب غض البصر من قبل الزاني عن المزني بها، نعم، يجب عليه أن يغض بصره؛ لأن هذا حرم بخطاب وهذا حرم بخطاب، ارتكب هذا لا يجوز له أن يرتكب هذا، هذه مبالغة في فك الجهات؛ إنما حرم النظر من أجل الوقوع في الفاحشة، لا شك أن الجهات قد تنفك وقد تتحد فإذا اتحدت الجهة لم يصح العمل وإذا انفكت الجهة قد يصح وقد لا يصح كما مثّلنا.

يطلق الحرام المرادف للمحظور من حيث الحقيقة ضد الحلال، والحلال هو في الأصل المباح، الحلال المباح، فكيف يكون الحرام ضد الحلال؟

جاء في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(١١٦) سورة النحل]، كيف جاء الحلال ضد الحرام؟ ونقول: التحليل والتحريم لله عز وجل؟

نحن عرفنا أن الحرام في حده ضد الواجب، كما قلنا في الواجب أنه ضد الحرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>