بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف-رحمه الله تعالى-: وليس للعالم أن يقلد، والتقليد: قبول قول القائل بلا حجة، فعلى هذا قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى تقليداً، ومنهم من قال: التقليد: قبول قول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله، فإن قلنا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بالقياس، فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً.
وأما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض، فالمجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد، فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيها وأخطأ فله أجر، ومنهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب، ولا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لأن ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين، ودليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد))، وجه الدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ المجتهد تارة، وصوبه أخرى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر المؤلف-رحمه الله تعالى- شروط المفتي وهو المجتهد، وشروط المستفتي وهو السائل، ثم ذكر أن العالم يعني المجتهد ليس له أن يقلد، مراده بذلك أن من تحققت لديه الأهلية -أهلية الاستنباط من الكتاب والسنة- ليس له أن يقلد في دينه الرجال؛ لأن المرد عند التنازع إلى الله ورسوله، وليس إلى قول فلان ولا علان، مهما كانت سابقته وقدمه في .. ، ورسوخ قدمه، فالمتأهل فرضه الاجتهاد، كما أن العامي ومن في حكمه فرضه سؤال أهل العلم، وقبول قولهم، وهذا تقدم.
ثم بين-رحمه الله تعالى- حقيقة التقليد، وحقيقة الاجتهاد، فالتقليد يقول: قبول قول القائل بلا حجة: وهو في الأصل مصدر قلد يقلد تقليداً.
التقليد: وضع الشيء في العنق كالقلادة، لإحاطتها بالعنق، ومنه تقليد الهدي، شيئاً يعلم به أنه هدي، ومنه تقليد الولايات من قبل الإمام الأعظم لولاة الأقاليم، والذين كانوا يعرفون في السابق بالعمال.