المقصود أن كل هذا تقليد؛ لأنه تفويض للأمر كما في القاموس: أعطيته قلد أمري، أي فوضته إليه، فالمقلد يفوض أمر سؤاله إلى من يقلده من أهل العلم، ويقبل قوله من غير نقاش، ومن غير معرفة دليل، ولذا قال المؤلف: التقليد: قبول قول القائل بلا حجة: أي يذكرها لمن أراد تقليده، فلا يذكر الدليل لمن سأله، المجتهد إذا سئل عن مسألة ما، يفتي بما يدين الله به، بما توصل إليه باجتهاده، ولا يلزمه بيان مستنده، ينصون على هذا، لكن هذا يختلف باختلاف أحوال السائلين، فإن كان السائل عامياً لا يعرف درك المسألة فمثل هذا يعطى الحكم، وإن كان متعلماً طالباً للدليل؛ ليبني عليه فيما يستقبل من حياته العلمية، فمثل هذا يعلم الدليل، ويخبر بالدليل، ويعلم ويخبر بمأخذ المسألة من هذا الدليل.
في مختصر التحرير يقول: التقليد عرفاً أخذ مذهب الغير بلا معرفة دليله، وفي الأحكام لابن حزم: التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير برهان، دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير برهان، ثم قال: فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليداً وقام البرهان على بطلانه، هذا كلام ابن حزم، وسيأتي أن ابن حزم والشوكاني شددا في أمر التقليد، ويأتي ما في كلامهما –إن شاء الله-والشوكاني في إرشاد الفحول عرف التقليد بأنه قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة.
من لا تقوم به الحجة: يعني من يستدل لكلامه ولا يستدل بكلامه، فكلامهم المجرد ليس بحجة، إنما يلتمس له الحجة من كلام الله، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
بلا حجة: بلا بيان لما اعتمد عليه هذا الغير المسؤول.
يقول: فعلى هذا قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى تقليداً: لماذا؟ لأن التعريف الذي ذكره ينطبق عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر القول -يذكر حكم المسألة- ولا يذكر دليله، من هذه الحيثية سماه تقليداً، لكن هل هذا الكلام صحيح؟
التقليد: قبول قول من ليس بحجة -من يحتج لكلامه- أما تقليد من يحتج بكلامه فليس بتقليد، من يحتج بكلامه .. ، فرق بين من يحتج بكلامه وبين من يبحث الدليل للاحتجاج به لكلامه.