يقول: فإن قال لهم الداعي إلى الحقّ: قد جمعتنا الملة الإسلامية، وشملنا هذا الدين المحمدي، ولم يتعبدنا الله، ولا تعبدكم، وتعبد آباءكم من قبلكم إلاّ بكتابه الذي أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبما صحّ عن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإنه المبين لكتاب الله، الموضح لمعانيه، الفارق بين محكمه ومتشابهه، فتعالوا نردّ ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله، وسنّة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} [(٥٩) سورة النساء]، فإن الردّ إليهما أهدى لنا ولكم من الردّ إلى ما قاله الأسلاف، ودرج عليه الآباء، إذا قيل لهم ذلك، نفروا نفور الوحش، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [(٥١) سورة النور]، ولا قوله:{فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [(٦٥) سورة النساء]، يقول: فإن قال لهم القائل: هذا العالم الذي تقتدون به، وتتبعون أقواله هو مثلكم، هذا العالم مثلكم من أي وجه، يعني في كونه متعبداً بالكتاب والسنة، مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه الدليل، فذلك رخصة له لا يحلّ أن يتبعه غيره عليها، ولا يجوز له العمل بها، وقد وجد الدليل الذي لم يجده، يعني المتأخر وجد دليلاً لم يقف عليه المتقدم، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله، أو فيما صحّ من سنّة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وذلكم أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا نعمل بهذا، ولا سمع لك ولا طاعة، ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج هناك، {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ}، وهؤلاء يجدون في صدورهم أعظم الحرج، من حكم الكتاب والسنّة، ولم يسلموا ذلك، ولا أذعنوا له، وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب