يبقى أن من جاء من بعد عصر الرواة يعني بعد الثلاثمائة ليس له أن يحكم على الرواة إلا من خلال أقوال أهل العلم، فإن كان ممن يقلد الشافعي اكتفى بقول الشافعي انتهى، كان ممن يقلد مالك واكتفى بقول مالك، استمر صار مقلداً، يقلد أحمد اكتفى بقول أحمد، لكن من أراد الاجتهاد -وباب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة- ينظر في أقوال الأئمة كلهم، لا سيما في الرواة المختلف فيهم.
الرواة المتفق على توثيقهم والمتفق على تضعيفهم ما فيهم إشكال، لكن يأتي رواة -ابن لهيعة مثلاً- مختلف فيه جرح وتعديل فيه أكثر من عشرين قول للأئمة، طيب، نأتي إلى هذه الأقوال وننظر في هذه الأقوال ونوازن أنها من خلال قواعد الجرح والتعديل، فإذا ترجح عندك من خلال القواعد، وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً أن الاجتهاد المطلق بمعنى الإطلاق نعم، مشكل أو نادر، نادر في غاية الندرة؛ لأنه حتى الاجتهاد في معرفة قواعد الجرح والتعديل، أنت تنظر فيها من خلال قواعد الجرح والتعديل، تجتهد في ثبوت ما يمكن إثباته من هذه القواعد ونفي ما يمكن نفيه من هذه القواعد، فهذه آلة الاجتهاد، وورائها اجتهاد ثالث وهكذا، فأنت تنظر في الأقوال التي قيلت في هذا الراوي، قالوا: ثقة، قالوا: ضعيف، قالوا: كذا –تجمع- ثلاثة عشر من الأئمة على تضعيفه، ثلاثة أو أربعة قالوا بأنه ثقة مطلقاً، مجموعة قالوا: بأنه ثقة مع التقييد، فأنت توازن بين هذه الأقوال، فتخرج بما تدين الله به مع التجرد، ولذا ابن حجر حكم عليه بأنه صدوق، حكم عليه مرة صدوق يخطئ، حكم عليه مرة –مراراً- بأنه ضعيف؛ لأن المسألة تحتاج .. ، تحتاج إلى توازن ونظر في كل راو من الرواة، وهذا فيه طول، ولذا من العلماء -لا سيما كبار العلماء عندنا- عندنا في هذا الباب بالنسبة للسنة، يعني لو قلنا: إن هؤلاء الاثنين ما لهم نظير، الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- والشيخ الألباني، الشيخ عبد العزيز انصب اجتهاده إلى علم الحديث دراية واستنباط، اعتمد على الحديث وصحح وضعف، لكن اعتماده في الرجال ما اعتمد على أن يبحث كل راوي بعينه، ثم بعد ذلك .. ، لا، يثبت عنده الخبر، يكفيه أن يثبت عنده الخبر ويستنبط منه.