وأطال المازري في تقرير ذلك والانتصار له، وختم كلامه بأن قال:"إن من قال أن الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين، وهو مروي عن الأئمة الأربعة، وإن حكي عن كل منهم اختلافه فيه"[ذكر ذلك ابن حجر]، ولا شك أن الراجح هو القول الأول، وهو أن المصيب واحد، والثاني مخطئ؛ لأن الحق لا يتعدد، والحديث صريح في ذلك، فالمصيب واحد، ومن عداه مخطئ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة، وقال بالثاني أبو حنيفة في قول، وبعض الشافعية، وبعض المالكية.
ولا يقال .. ، ولا يجوز -هذا كلام المؤلف- أن يقال كل مجتهد في الأصول الكلامية: يعني العقائد مصيب: ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، يعني أن المسائل الكلامية الذي .. ، أهل الكلام يعبرون عن مسائل الاعتقاد بالكلامية، ولا شك أنه اصطلاح حادث مبتدع، فإثباتهم مسائل الاعتقاد على طرقهم المحدثة محدث، فيبقى أن مسائل الاعتقاد وهي معروفة مميزة عن مسائل الأحكام.
مسائل الاعتقاد هل تقبل الاجتهاد؟ هل للمجتهد أن ينظر في مسائل الاعتقاد؟ أو عليه أن يقلد ما ثبت عن سلف الأمة فيما أثبتوه مما ثبت، مما أثبتوه لله -عز وجل- مما ثبت في الكتاب والسنة؟ هذا الأصل، نعم، لكن شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى- لا يفرق بين الأصول والفروع، يقول: عندك نصوص من الكتاب والسنة، تجتهد، وما يؤديه وما يؤديك إليه اجتهادك، إن أصبت الحق فأنت على خير عظيم، ولك الأجران، إن لم تصب فلن تحرم الأجر الواحد، حتى في مسائل الاعتقاد، ولذا -رحمه الله- لما سئل عن بعض المنظرين في المذاهب البدعية الكلامية، أجاب بأن عذرهم، وقال:"إن هذا ينصر ما يراه الحق"، يعني هذا ما آداه الاجتهاد، لكن ينبغي أن نؤطر ونقيد فهمنا لنصوص الكتاب والسنة بفهم السلف، فما اتفق عليه السلف من إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- ورسوله لله -عز وجل- لا يجوز لنا أن نوجد قولاً جديداً بعد السلف، المسائل العقيدة التي اختلف فيها السلف محل اجتهاد، نقيد محل الاجتهاد فيما اختلف فيه السلف، اختلفوا في الساق –مثلاً- إثبات الساق مع الخلاف، إذن للاجتهاد فيه مجال.