يقول: تصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع: تصور الشيء: إدراكه، يقول الدمياطي في حاشيته على شرح المحلي -وما أحسن قوله- في تعريف العلم:"معرفة"، وفي تعريف الجهل:"تصور" فإنه ليس بمعرفةٍ أصلاً وإنما هو حصول الشيء في الذهن، يعني الجهل على ما قرره المؤلف هو مجرد حصول الشيء في الذهن، ولذا لم يكن مطابقاً للواقع، وإلا صار معرفةً وعلماً.
على خلاف ما هو به: وبعض النسخ: على خلاف ما هو عليه، كأن يتصور الشخص الإنسان: بأنه حيوان راغٍ أو ناهق أو صاهل أو ما أشبه ذلك، هذا علم؟ هذا مطابق للواقع؟
ليس بمطابقٍ للواقع، ليس بمطابقٍ للواقع فهو جهل، وكأن تسأل شخصاً عن ما وراء هذا الجدار فيخبرك، أيش الذي وراء هذا الجدار -وهو لا يعلم ما الذي وراءه- فيخبرك بخبر يخالف الواقع، تسأله ما الذي وراء هذا الجدار يقول: لك جمل، هذا جهل عند المؤلف.
بعضهم يرى أن الجهل الذي عرفه المؤلف هو الجهل المركب، ويقسم الجهل إلى قسمين: جهل بسيط، وهو عدم العلم، وخلو النفس عن الإدراك، وجهل مركب وهو معرفة أو تصور الشيء على خلاف ما هو به، فإذا سألت شخصاً، فقلت له: ما الذي وراء هذا الجدار؟ قال: لا أدري، هذا جهل، بسيط وإلا مركب؟ بسيط، إذا قال لك: جمل، والواقع أنه سيارة، بسيط وإلا مركب؟ مركب.
الجهل البسيط كعدم علمه بما تحت الأرضين، أو بما في قاع البحار، لكن الجهل المركب أن نقول: إن تحت الأرضين كذا، وفي قاع البحار كذا، مما هو على خلاف الواقع، فإذا قلت لزيد مثلاً: عرف الفاعل؟ فقال: لا أدري، نقول: إنه جاهل، لكن جهله بسيط، وإن قال: هو من وقع عليه الفعل، قلنا: هذا جاهل جهلاً مركباً. أيش معنى مركب؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه مركب من جهلين، هو جاهل بحقيقة هذا الشيء، وهو جاهل أيضاً بحقيقة نفسه، يجهل أنه جاهل، يقول الشاعر:
قال حمار الحكيم يوماً ... لو أنصف الدهر كنت أركب
لأنني جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب
يعني صاحبه الذي ركبه أجهل منه؛ لأنه لا يدري أنه لا يدري، فجهله مركب من جهلين.
والشعراء يتجاوزون في مثل هذا فينسبون بعض الأفعال إلى الدهر، وهنا يقول: لو أنصف الدهر كنت أركب!