وسمي الجهل المركب بذلك لاستلزامه لجهلٍ آخر، لأنه جهل مدرك بما في الواقع مع جهله بأنه جاهل، ففيه جهلان، ولذا قيل:
جهلت وما تدري بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري
من أقبح الأشياء أن يعرف الإنسان ما كلف به وأمر به شرعاً ويخالف بعد تمام المعرفة لحكم الله -عز وجل- في مسألةٍ ما، ثم يخالفها، ويعصي أمر الله -سبحانه وتعالى- ويرتكب ما حرمه الله عليه، فهو باستحقاق اسم الجهل أولى، مثل هذا باستحقاق اسم الجهل أولى، والله -سبحانه وتعالى- يقول:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [(١٧) سورة النساء] قرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل، وإن كان عارفاً بالحكم هو جاهل، وكل من تاب في وقت الإمكان فقد تاب من قريب، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
فهذا العاصي الذي يعرف حكم الله في هذه المسألة ويخالف، ويرتكب ما حرم الله عليه هو باستحقاق اسم الجهل أولى من الذي لا يدري.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
والعلم الضروري: ما لا يقع عن نظرٍ واستدلال كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي السمع والبصر والشم واللمس والذوق، أو بالتواتر، وأما العلم المكتسب: فهو ما يقع عن نظرٍ واستدلال: لما عرف العلم وما يقابله من الجهل، ذكر أقسام العلم، وأنه ينقسم إلى قسمين: ضروري قطعي، والقسم الثاني: علم مكتسب نظري، وعرفنا أن العلم يراد به ما لا يحتمل النقيض بحالٍ من الأحوال، يعني سواء كان ضرورياً قطعياً، أو نظرياً مكتسباً النتيجة مفاد الخبر مائة بالمائة، ما ينزل ولا واحد بالمائة، لا مجال فيه للاحتمال الآخر أو النقيض.
فقال عن الأول –الضروري- وأنه لا يحتاج إلى مقدمات ولا إلى نظر ولا استدلال كما يحصل بإحدى الحواس الخمس، يعني إذا نظرت إلى هذه الورقة وجزمت بأنها بيضاء بعد نظرها، هل في احتمال ولا واحد بالمليون أنها غير بيضاء؟