نعم، ما في احتمال، مائة بالمائة النتيجة، وكما لو كانت سوداء أو خضراء فنظرت إليها، سمعت صوت تميزه عن غيره، شممت رائحة، ذقت طعماً، لمست شيئاً، كل هذا مورث للعلم الضروري القطعي الذي لا يحتمل النقيض.
ما يدرك بواسطة الحواس الخمس لا يحتاج في تصديقه إلى مقدمات، بل يحصل الجزم به بدون مقدمات، بل بمجرد حصول هذا الإدراك، الذي يدرك بواسطة الحواس الخمس لا يحتاج إلى مقدمات، ومفترضة في شخصٍ يميز بين الألوان والروائح والأصوات، شخص سمع نهيق الحمار وهو يعرف الحمار من قبل، هل يحتمل أن يسأل عن هذا الصوت هل هو نهيق حمار أو صياح ديك؟ لا يحتمل، لكن شخص سمع صوت حيوان لم يألفه ولم يعرفه ما سمع صهيل الفرس في عمره كله يمكن يسأل ما هذا؟ فإذا استقر عنده صار من الضروريات.
ومثل العلم الحاصل بالحواس الخمس العلم الحاصل بالتواتر، فسامعه ملزم بتصديقه من أول وهلة دون نظرٍ في رجاله، ومثله -بل أولى منه- ما ثبت بالقرآن، ولهذا لما كانت الحوادث والوقائع المتقدمة والسابقة على زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- الثابتة لديه بالتواتر -في قصة الفيل مثلاً وقصص الأمم السابقة المتلقاة المتداولة بين الناس التي يتداولها الناس بعضهم عن بعض، طبقةً عن طبقة، تتواتر- هذه القصص -كقصة أصحاب الفيل- شاهدها النبي عليه الصلاة والسلام؟؟
لم يشاهدها، لكنها بلغته بطريقٍ متواتر، بطريق التواتر، فجاء الاستفهام عنها بالقرآن بأي صيغة؟
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(١) سورة الفيل]، فعبّر عنها بالرؤية، فنزّل المتواتر منزلة المشاهد في القطعية.