فالعلوم الضرورية كالمسائل المعلومة من الدين بالضرورة مما لا يعذر أحد بجهله كوجوب الصلاة وتحريم الزنا ونحو ذلك، فمثل هذه لا يحتاج السامع، ولا تحوج المتكلم إلى استدلال، يعني لو قال شخص لآخر مسلم عاش بين المسلمين: صلِّ فإن الصلاة واجبة وتأثم إذا تركت الصلاة، هل يستطيع أن يقول له: ما الدليل على ذلك؟ أو يقول له مثلاً: الزنا حرام السرقة حرام الربا حرام، هل يطالبه بالدليل؟ لا يطالبه بالدليل؛ لأن مثل هذه الأمور معلومة من الدين بالضرورة، أمور قطعية ضرورية، لا تحتاج لا إلى نظر ولا إلى استدلال، ومثله ما استفاض لدى الخاص والعام من المسلمين وغيرهم من وجود بعض البلدان كمكة والمدينة وبغداد وما أشبه ذلك من البلدان المشهورة، هذه علوم ضرورية، يعني لو قال لك شخص: جئت من بغداد، أو من دمشق أو القاهرة أو ما أشبه ذلك، تقول: انتظر انتظر؛ حتى أرجع إلى معجم البلدان فأرى هذه البلدة فعلاً موجودة وإلا لا؟! يحتاج إلى ذلك؟! ما يحتاج؛ هذه أمور ضرورية.
هناك طائفة -ملاحدة هم دهريون- موجودة في الهند يقال لهم: السمنية، السمنية هؤلاء يقولون: إنه ليس هناك علم إلا ما يدرك من طريق الحواس، الأخبار مهما كثر ناقلوها لا يعتمد عليهم، وهؤلاء لا عبرة بقولهم.
إذا عرفنا ذلك فالحواس الخمس سبب للإدراك، البصر سبب للإبصار، والسمع سبب لإدراك الصوت وهكذا. والسبب عند أهل السنة يحصل به المسبب، يحصل به .. ، والله -سبحانه وتعالى- هو المسبب فلا تستقل الأسباب بالتأثير، خلافاً للمعتزلة، ولا تلغى آثارها بالكلية كما تقول الأشعرية.
الأسباب الناس فيها طرفان ووسط، فمثلاً في وقت الشتاء، الناس بحاجة إلى دفء، إذا لبست من الثياب ما يحصل به الدفء، فعند الأشعرية الثياب هي التي وقتك من البرد، وهي مستقلة بالتأثير عند المعتزلة، مستقلة بالتأثير، وعند الأشعرية لا قيمة لها، وإنما يحصل الدفء عندها لا بها، وعند أهل السنة: حصل بها الدفء والله -سبحانه وتعالى- هو الذي جعل فيها هذا التأثير، ولو شاء لسلبها هذا التأثير.