للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به".

وفي حديث العباس عند مسلم وغيره ... قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار.

وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثباته لبعض الصحابة.

فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين".

وفي رواية: "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى.

وقوله: "أما انا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول"١.

تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم -.

ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام.

ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من


١ تقدم الحديث برقم (٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>