{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}، وَقَالَ في الحج: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ لا يفْعَلَانِ إلا فِي الْوَقْتِ، والْقَضَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ إكْمَالُ الشَّيْءِ وَإِتْمَامُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}. أَيْ أَتَمَّهُنَّ وأَكْمَلَهُنَّ، فَمَنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ كَامِلَةً فَقَدْ قَضَاهَا وَإِنْ فَعَلَهَا فِي وَقْتِهَا.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ بَقَاءَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَنَوَاهَا أَدَاءً ثُمَّ تَبَيَّنَ له أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ صَحَّتْ صلاته، وَلَوْ اعْتَقَدَ خُرُوجَ الوقت فَنَوَاهَا قَضَاءً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَقَاءُ الْوَقْتِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ سَوَاءً نَوَاهَا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، فَالْجُمُعَةُ تَصِحُّ سَوَاءٌ نَوَاهَا قَضَاءً أو أَدَاءً إذا أَرَادَ الْقَضَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ.
وَالنَّائِمُ وَالنَّاسِي إذَا صَلَّيَا في وَقْت الذِّكْرِ وَالِانْتِبَاهِ فَقَدْ صَلَّيَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَا بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ صَلَّيَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهِمَا، فَمَنْ سَمَّى ذَلِكَ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَانَ من لُغَتِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ في وَقْتِها الْمُقَدَّرِ شَرْعًا لِلْعُمُومِ، فَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.
فَلَيْسَ لِأَحَدِ قَطُّ شُغْلٌ يُسْقِطُ عَنْهُ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِحَيْثُ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ وَصَلَاةَ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ، لَكِنْ يُصَلِّي بِحَسَبِ حَالِهِ، فَمَا قَدِرَ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِهَا فَعَلَهُ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْعُذْرِ بَيْنَ صَلَاتَيْ النَّهَارِ وَبَيْنَ صَلَاتَيْ اللَّيْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، (ويجوز للمسافر النازل عند الشافعي وأحمد) فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute