فالجواب: إن هَذِهِ الْمَسْأَلَة تَنَازَعَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، فَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُمْ لَا يُحَاسَبُونَ: أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْحَسَنِ [التَّمِيمِيُّ] وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ: أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ - مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ - وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ.
وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْحِسَابَ يُرَادُ بِهِ عَرْضُ أَعْمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخُهُمْ عَلَيْهَا، أو يُرَادُ بِالْحِسَابِ مُوَازَنَةُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْحِسَابِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَبْقَى لَهُمْ حَسَنَاتٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْجَنَّةَ فَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِقَابِ فَعِقَابُ مَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِقَابِ مَنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ خُفِّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ، كَمَا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَخَفُّ عَذَابًا مِنْ أَبِي لَهَبٍ وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}، وقال تعالى: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}، وَقَالَ: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ، فَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْكُفَّارِ عَذَابُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ - لِكَثْرَةِ سَيِّئَاتِهِ وَقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ - كَانَ الْحِسَابُ لِبَيَانِ مَرَاتِبِ الْعَذَابِ، لَا لِأَجْلِ دُخُولِ الْجَنَّة.
فصل
وَأَمَّا ما شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute