وقومه واليهود ومعاندو الفرق غير مقرين بالصانع، قال لهم أئمة المسلمين وجمهورهم: هذه مكابرة ظاهرة وبهتان بيِّن؛ فإن الله قد قال عن قوم فرعون:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}، وقال موسى يا فرعون:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}، وقال تعالى عن اليهود:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}، وقال عن قوم من المشركين:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. وإبليس لم يرسل إليه رسول فيكذبه، ولكن الله أمره فاستكبر وأبى وكان من الكافرين، فعلم أن الكفر قد يكون من غير تكذيبٍ بل عن كبرٍ وامتناع من قول الحق والعمل به، وعلم أنه قد يعلم الحق بقلبه من لا يقر به ولا يتبعه، ويكون كافرًا، ومتى استقر في القلب التصديق والمحبة والطاعة فلا بد أن يظهر ذلك على البدن في اللسان والجوارح؛ فإنه ما أسر أحدٌ سريرة خيرٍ أو شرٍّ إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وقال تعالى عن المنافقين:{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، فإذا كان المنافق الذي يجتهد في كتمان نفاقه لا بد أن يظهر في لحن قوله، والمؤمن الذي يجتهد في كتمان إيمانه - كمؤمن آل فرعن، وامرأة فرعون - يظهر إيمانه على لسانه عند المخالفين الذين يخالفهم، فكيف يكون مؤمن قد حصل في قلبه الإيمان التام بالله - تعالى - ورسوله ولا ينطق بذلك من غير مانع يمنعه من النطق، بل هذا مما يعلم بصريح العقل امتناعه، كما قد بسط ما يتعلق بهذه المسألة في غير هذا الموضع، وأما الأخرس فليس من شرط إيمانه نطق لسانه، والخائف لا يجب عليه النطق عند من يخافه بل لا بد من النطق فيما بينه وبين الله.
فصل
* وأما السؤال عن القرآن إذا قرأه الأحياء للأموات فأهدوه إليهم هل يصل