للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَعَ غَيْرِهِ أَسْبَابًا فِي حُصُولِ مِثْلِ ذَلِكَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ • وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَالْإِنْفَاقُ وَالسَّيْرُ هُوَ نَفْسُ أَعْمَالِهِمْ الْقَائِمَةِ بِهِمْ فَقَالَ فِيهَا: {إلَّا كُتِبَ لَهُمْ} وَلَمْ يَقُلْ: «إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ» فَإِنَّهَا بنَفْسهَا عَمَلٌ، بنَفْس كِتَابَتِهَا يَتحصلُ بِها الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَالْجُوعِ الْحَاصِلِ بِسفرِ الْجِهَادِ، وبِخِلَافِ غَيْظِ الْكُفَّارِ وبِمَا نِيلَ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ نَفْسَ أَفْعَالِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ حَادِثَةٌ عَنْ أَسْبَابٍ مِنْهَا أَفْعَالُهُمْ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فَبَيَّنَ أَنَّ مَا يحدثُ الْآثَار (١) عَنْ أَفْعَالِ الْعبدِ يكتب لَهُمْ بِهَا عَمَلٌ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ كَانَتْ سَبَبًا فِيهَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْغَلَاءَ وَالرُّخْصَ لَا تَنْحَصِرُ أَسْبَابُهُ فِي ظُلْمِ بَعْض الناس، بَلْ قَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ قِلَّةَ مَا يَخْلُقُ أَوْ يَجبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الْمَطْلُوبِ، فَإِذَا كَثُرَتْ الرَّغَبَاتُ فِي الشَّيْءِ وَقَلَّ الْمَرْغُوبُ فِيهِ ارْتَفَعَ سِعْرُهُ، وَإِذَا كَثُرَ وَقَلَّتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ انْخَفَضَ سِعْرُهُ، وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ قَدْ لَا تَكُونُ سَبَبًا مِنْ الْعِبَادِ، وَقَدْ يَكُونُ لِسَبَب لَا ظُلْمَ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ ظُلْم، وَاللَّهُ يَجْعَلُ الرَّغَبَاتِ فِي الْقُلُوبِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ:


(١) في مجموع الفتاوى: (من الآثار).

<<  <   >  >>