للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَوْضِعِ] عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كَلَامِ اللَّهِ.

فمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلْهُ فَيْضًا مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ في (١) النُّفُوسِ، كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ أَفْسَدُ الْأَقْوَالِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بَائِنًا عَنْهُ، كَقَوْلِ الْجَهْمِيَّة والنجارية وَالْمُعْتَزِلَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ مَعْنًى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ كَقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ الْأَشْعَرِيِّ (٢)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قديمة كَقَوْلِ ابْنِ سَالِمٍ [وَطَائِفَة.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، كَقَوْلِ ابْنِ كَرَّامٍ وَطَائِفَةٍ].

وَالصَّوَابُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ كَمَا قَدْ بَسَطْت أَلْفَاظَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَلَمَّا ظَهَرَتْ الْمِحْنَةُ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَكَانَتْ الْجَهْمِيَّة مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ مَخْلُوقٌ.

وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ الْقَطَّانُ لَهُ فَضِيلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ رَدَّ [بِهَا] عَلَى الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ نفاة الصِّفَاتِ، وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ شُبْهَةِ الْجَهْمِيَّة كُلَّ التَّخَلُّصِ بَلْ ظَنَّ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَتَّصِفُ بِالْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ [بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَلَا يَتَكَلَّمُ] بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا يُحِبُّ الْعَبْدَ وَيَرْضَى عَنْهُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ، وَلَا يَغْضَبُ عَلَيْهِ وَيَسْخَطُ بَعْدَ كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، بَلْ (ما زال) مُحِبًّا رَاضِيًا أَوْ غَضْبَانَ سَاخِطًا عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ بَعْدَ كَلَامٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ • الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، وَقَالَ


(١) في مجموع الفتاوى: (على).
(٢) في مجموع الفتاوى: (والأشعري).

<<  <   >  >>