(٢) هذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" من هذين الوجهين، فأخرجه أولاً (٥٩٠٦ و٥٩٠٧) من طريق جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عن أنس، ثم أخرجه (٥٩٠٨ و٥٩٠٩) من طريق معاذ بن هانئ، عن هَمَّام بْن يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عن أنس، أو عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثم علَّقه البخاري عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أنس، ثم قال: «وقال أبو هلال: حدثنا قتادة، عن أنس، أو جابر بن عبد الله ... » ، فذكره. وذكر ابن حجر في "فتح الباري" (١٠/٣٥٨-٣٥٩) طريق همام التي فيها زيادة: أو عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» ، ثم قال: «وهذه الزيادة لا تأثير لها في صحَّة الحديث؛ لأن الذين جزموا بكون الحديث عن قتادة عن أنس أضبطُ وأتقنُ من معاذ بن هانئ، وهم: حبان ابن هلال، وموسى بن إسماعيل كما هنا، وكذا جرير ابن حازم كما مضى، ومعمر كما سيأتي حيثُ جزما به عن قتادة عن أنس، ويحتمل أن يكونَ عند قتادة من الوجهين، والرجل المبهم يحتمل أن يكونَ هو سعيد بن المسيب، فقد أخرج ابن سعد من روايته عن أبي هريرة نحوه، وقتادة معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب، وجوَّز الكرماني أن يكونَ الحديث من مسند أبي هريرة، وإنما وقع التردُّد في الراوي؛ هل هو أنس أو رجل مبهم؟ ثم رجَّح كون التردُّد في كونه من مسند أنس أو من مسند أبي هريرة بأن أنسًا خادم النبي (ص) وهو أعرف بوصفه من غيره، فبَعُدَ أن يروي عن رجل عن صحابي آخرَ هو أقل ملازمة له منه. اهـ. وكلامه الأخيرُ لا يحتمله السياق أصلاً؛ وإنما الاحتمالُ البعيد ما ذكره أولاً، والحق: أن التردُّد فيه من معاذ بن هانئ؛ هل حدثه به همام عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أو: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَن أبي هريرة، وبهذا جزم أبو مسعود، والحميدي، والمزي، وغيرهم من الحفاظ» . ثم أعلَّ ابن حجر مخالفةَ أبي هلال، فقال: «وأبو هلال اسمه: محمد بن سليم الرَّاسبي - بكسر المهملة والموحّدة -، بصري صدوق، وقد [ضُعِّف] من قِبَل حفظه، فلا تأثير لشكِّه أيضًا، وقد بيَّنَت إحدى روايات جرير بن حازم صحَّة الحديث بتصريح قتادة بسماعه له من أنس، = = وكأن المصنف أراد بسياق هذه الطرق بيان الاختلاف فيه على قتادة، وأنه لا تأثير له، ولا يقدح في صحة الحديث» . اهـ.