للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بالرجوع والعفو ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود حد ولو قال: يا زاني وعكس حدا.

ــ

من الحقين لا يسقط به وأجيب بأنا لا نقول: إنه يسقط بموته ولكن يتعذر استيفاؤه لعد شرطه فإن الشرط خصومة المقذوف ولا تحقق فيه الخصومة بعد موته، كذا في (الناية) وفيه نظر إذ لو صح هذا لبطل قولهم: إنه يبطل بموت المقذوف وهذا لأنه لا معنى لعدم سقوطه (لا) يبطل (بالرجوع) عن الإقرار نظرا إلى أنه حق العبد، (و) قد مر أنه لا يبطل أيضا بإباء (العفو) نظرا إلى أنه حق الله تعالى، ومعنى عدم بطلانه به أنه لو عاد وطلب يقام الحد عليه وليس للإمام أن يستوفيه بعد العفو بدون الطلب كما في (المبسوط).

وعليه يحمل ما في (الفتح) من أنه لو عفا المقذوف عن القاذف بعد ثبوت القذف والإحصان لا يصح عفوه ويحد عندنا، وفي (الشامل) لا يصح عفو المقذوف إلا أن يقول لم يقذفني أو كذب شهودي إلا أن خصومته شرط، وعند الثاني يصح العفو (ولو قال) لغيره: (زنأت في الجبل) بالهمز (وعنى) أي: قصد (الصعود) عليه (حد) عندهما ولم يصدق وقال محمد: يصدق لأن الهمز منه للصعود حقيقة وذكر الجبل بقراره مرادا ولهما أنه يستعمل في الفاحشة لأن من العرب من يهمز حرف اللين في غير التقاء على حده كدابة شاذ، وحالة الغضب تعين ذلك مرادا وهذا التقدير يفيد أن المهموز مشترك بين الفاحشة والصعود وحالة الغضب تعين أحد المحتملين عندهما، وعند محمد هو حقيقة في الصعود مجاز في الفاحشة وحينئذ يترجح قوله لأن المجاز أولى من الاشتراك لعدم اختلاله بالفهم ولأن الحد يحتال لدرئه هذا حاصل ما في (العناية).

وأجاب في (الحواشي السعدية): بأن هذا مسلم إذا لم يقم دليل على الاشتراك وقد قام هنا لما قدمناه من أن من العرب من يهمز حرف اللين، وقوله: وذكر الجبل يقرره ممنوع بأن الفاحشة قد تقع فيه، أي: في بعض بطونه وترجح إرادتها بقرينة الغضب، ولو قال: على الجبل قيل لا يحد وهو الذي جزم به في (المبسوط).

قال في (الفتح): وهو الأوجه لأن حالة الغضب تعين تلك الإرادة وكونها فوقه وتعين الصعود مسلم في غير حالة السباب قيد بالهمز لأنه لو أتى بالياء المثناة حد اتفاقا، وبالجبل لأنه لو حذفه حد اتفاقا أيضا، كما أفاده في (غاية البيان) وجزم به في (المعراج) وبهذا التعزير علمت أن إطلاق المصنف مقيد بحالة الغضب فلا يجب [٣٠٨/ب] في / حالة الرضى يعني اتفاقا، (ولو قال: يا زاني وعكس)، بأن قال لا بل أنت (حدا) لأن كل واحد منهما قذف صاحبه فيحد بطلبه ولا يلتقيان قصاصا لما مر من أن الغالب في حد القذف حق الله تعالى قيد بحد القذف لأنه لو قال له: يا خبيث بل أنت تكافيا ولا يعزران كل واحد وجب له على صاحبه مثل ما وجب للآخر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>