(وأبدأ بالمسجد) الحرام من باب بني شيبة وهي المسمى بباب السلام والباء للتعدية وفي قوله: (بدخول مكة) للسببية والمجرور في محل نصب على الحال أي: حال كونك ملتبسًا بدخولك مكة ففاعل المصدر محذوف لأن هذا أول شيء فعل- صلي الله عليه وسلم- وكذا الخلفاء بعده يعني لم يشتغل بشيء من أفعال الحج قبله فلا يرد أنه توضأ أولاً ويندب أن يدخلها من المعلى ويخرج من أسفل وأفاد كلامه أن مكة اسم للبلد ويقال لها: بكة أيضًا وقيل بالباء المسجد وبالميم البلد سميت بذلك لأنها تبك الذنوب أي: تذهبها وقيل: لأن الناس يتباكون فيها أي: يزدحمون في الطواف.
(وكبر) أي: قال الله أكبر ثلاثًا يعني من كل كبير وحذف المفضل عليه للتعميم فيدخل تحته الكعبة المعظمة (وهلل) أي: قبل لا إله إلا الله ومعناه التبري من عبادة غيره تعالى ويلزمه التبري عن عبادة (البيت) المشاهد وهذا أبلغ من قصد التبري عن عبادته بخصوصه ولم يعين محمد للمشاهد شيئًا من الدعوات لأن توقيتها يذهب برقة القلب لأنه يصير كمن يكرر محفوظة لكنه إن يتبرك بالمأثور منها كان حسنًا ومن أهم الأدعية طلب الجنة بلا حساب كذا في (الفتح).
قال الحلبي: ومن أهم الأذكار الصلاة على المختار- صلي الله عليه وسلم (ثم استقبل الحجر) الأسود لأنك تبدأ حين دخولك بتحية البيت وهي الطواف دون الصلاة اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام وإلا أن تدخل في وقت منع الناس من الطواف فيه أو كان عليه فائتة أو خاف خروج وقت المكتوبة أو فوت جماعتها أو الوتر أو سنة راتبة فيقدم كل ذلك على الطواف ثم طف فإن كنت حلالاً فطواف التحية أو محرمًا بالحج فطواف القدوم هذا إن دخل قبل النحر وإن دخل فيه أغنى طواف الفرض عن التحية أو بالعمرة فطوافها وللطواف قدوم لها كذا في (الفتح) /.
ووصف الحجر بالأسود باعتبار ما هو عليه الآن وإلا فقد أخرج الترمذي وصححه من حديث ابن عباس مرفوعًا:(نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني أدم) قال العسقلاني: وطعن بعض الملحدين كيف سودته الخطايا ولم تبيضه الطاعات أجيب عنه بأن الله أجرى عادته أن السواد يصبغ ولا يتصبغ وبأن في ذلك عظة ظاهرة هي تأثير الذنوب في الحجارة السواد فالقلوب أولى لكن أخرج الهندي في (فضائل مكة) بسند ضعيف عن ابن عباس: (إنما غير بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا لزينة الجنة) فإن ثبت هذا فهو الجواب (مهللاً مكبرًا)