(٢) بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة لأمور: منها - التأسي بفعل الصحابة - رضي الله عنهم - في افتتاحهم المصحف الإمام بالتسمية وتبعهم جميع من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار، سواء من يقول بأن البسملة آية من الفاتحة، ومن لا يقول ذلك. ومنها - الإقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم، كما في رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، في الحديث المتفق عليه. ومنها - العمل بحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)، أي ذاهب البركة، والحديث لا يثبت فقد رواه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " (١٢١٠) (٢/ ٦٩)، ومن طريقه السمعاني في " آداب الإملاء والاستملاء" (ص/٥٢)، ورواه السبكي في "طبقات الشافعية" (١/ ٦) - كلهم - من طريق أحمد بن محمد بن عمران - وأسقطه السمعاني - عن محمد بن صالح البصري عن عبيد بن عبدالواحد بن شريك عن يعقوب بن كعب الأنطاكي عن مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا به. وأحمد بن محمد بن عمران، هو المعروف بالجنيدي، قال عنه الخطيب في "تاريخه": كان يضعف في روايته، وقال الزهري: ليس بشيء. وقد أفرد العلماء هذا الحديث بالتصنيف، وقد حكم عليه الشيخ الألباني - رحمه الله - في الإرواء (١) (١/ ٢٩) بأنه ضعيف جداً، وقد اختلف العلماء في جواز العمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، وقد أجازه البعض بشروط، والذي يترجح لي هو المنع مطلقاً، وانظر " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" للحافظ السخاوي، ومقدمة " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني، وبحث "تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف" للدكتور: عبد العزيز عبدالرحمن بن محمد العثيم. فائدة: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١/ ٩): [وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة، وكذا معظم كتب الرسائل، واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا، فجاء عن الشعبي منع ذلك، وعن الزهري قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك الجمهور، وقال الخطيب: هو المختار] وقال البهوتي في المنح الشافية شرح المفردات الوافية: "لكن نقل بن الحكم لا تكتب أمام الشعر ولا معه، وذكر الشعبي أنهم يكرهونه، قال القاضي: لأنه يشوبونه الكذب والهجو غالباً انتهى قلت: فيؤخذ من تعليل القاضي أن المراد الشعر غير ما يكون في المسائل العلمية". (٣) الفلاسفة المتأخرون غالب ما يسمون الرب - تعالى - بواجب الوجود، وقلدهم في ذلك متأخرو الأشاعرة، وهذا غير صحيح؛ لعدم ورود هذا اللفظ، فضلاً عن أن يكون من الأسماء الحسنى. وأهل السنة قد يطلقون واجب الوجود على الله، من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده - سبحانه - بنفسه، واستغناؤه عن موجد. بينما يضيف الفلاسفة إلى هذا اللفظ معاني أخرى غير صحيحة. يقول شيخ الإسلام عن ابن سينا: "فسلك طريق تقسيم الوجود إلى الواجب والممكن، كما يقسمونه هم إلى القديم والمحدث وتكلم على خصائص واجب الوجود بكلام بعضه حق وبعضه باطل، لأن الوجوب الذي دل عليه الدليل، إنما هو وجوده بنفسه، واستغناؤه عن موجد، فحمل هو هذا اللفظ ما لا دليل عليه، مثل عدم الصفات، وأشياء غير هذه. وهذا اشتقه من كلام المعتزلة في القديم، فلما أثبتوا قديماً، وأخذوا يجعلون القدم مستلزماً لما يدعونه من نفي الصفات، جعلوا الوجود الذي ادعاه، كالقدم الذي ادعوه، وليس في واحد منهما ما يدل على مقصود الطائفتين". ولفظ واجب الوجود فيه إجمال؛ فقد يراد به الموجود بنفسه، الذي لا فاعل له، ولا علة فاعلة له، وذات الرب - عز وجل - وصفاته واجبة الوجود بهذا الاعتبار. ويراد به مع ذلك المستغني عن محل يقوم به، والذات بهذا المعنى واجبة دون الصفات. ويراد به ما لا تعلق له بغيره، أو ما لا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له وهذا باطل. ولذلك لابد من الاستفصال عن المراد بهذا اللفظ".