القيامَ بالخفيف منها والثَقيل،
فَتَفَقَّدْ ما قِبَلَكَ حَقَّ تَفَقُّدِهِ، وتَعَهَّدْه أَحفى تعهُّده. فإنكَ إذا أَمْعَنْتَ التَّطلُّعَ، وواليت إلى جانِبِ الرَّعية
التَّلَفُّتَ والتَّسَمُّعَ، لم يَشِذَّ عن عملك متى يجري بِنَظَرك، لاجْتِماعه وانْحصاره، وقُرْب ما بين مسافاته
وأَقْطاره. فتأمَّلْ بجهَتكَ الأحوال وصُوَرَها وتفقّد مع الأحيان شَأن الرعية وخَبَرها، وكُلّ ما رَفَعَتْه إليكَ
من أحوالها، وتَظَلَّمَتْ فيه من عُمّالها، فأَجْرِهم على الحق كيف جرى، وعَمِّمْ بنظرِكَ، ولا تَخُصَّ
قضية دونَ أُخْرى. فكلٌّ بكَ معصوبٌ، وأنتَ عليه مُحاسَبٌ، وبه مَطْلوب. ومِلاكُ أَمْركَ ومدارُهُ، على
الحُكّامِ الذين استَنْبَتّهم في الأقطار الناصية، ونَصَّبتهم في الجهة النائية؛ فَشَرْطُهم الثِّقة والدِّيانَةُ،
والصَّوْنُ والأمانةُ، فإنهم إذا كانوا بهذه الصفة، جَرَتِ الأمور على سيرها الرَّاشِدة، واستمرتْ على
مناهِجها القاصدة، وأمِنَتْ في جهَةِ الرَّعيَّةِ، وأمِنّا بكَ فيها منَ اللَّبْسِ. فلا تُقَلِّدْ أمْرَ المُسلمين إلا معْروفاً
بالدِّيانَة والعَفاف، وتقِيّاً لِيَقْنَع بالكفاف، ويَتَنَزَّهَ عن الإسْفاف.
وتَحَفَّظْ منْ كُلِّ منْهومٍ لا يَشْبَع، ومُسِفٍّ لا يَتَوَرَّعُ؛ فإنَّ الجشَعَ أعمى لا يرى ولا يسْمَعُ.
وبَعدَ توْليتك إيَّاهم، فأشْرفْ عليهم إشرافاً يَتَعَقَّبُ أعمالهم، ويتصفَّحُ أحوالهم. فإن رأيتَ منهم جَنَفاً، أوْ
منْ نَقضَ عليكَ منْ أطراف الحَقِّ طرفاً، صرَفْتَهُ مَذْموماً، وأَخَّرْتَهُ مَلُوماً. فتَفَقَّدْ هذا منْ أَمْرهم، فإنّكَ
مُضْطرٌّ إليهِ في تعرُّفِ أحوال الرَّعية التي لا نَرْضى بِهَضْمها، ولا نُقِرُّ أحداً على ظُلْمِهاَ، ولاَتتعهده.