حين انقراضِ الحقائقِ، وجَهْل الخلائقِ، فَقَطَعَ أسباب تلْك العلائق، وبسط العَدْلَ في المغارب
والمشارق، ثم أكمل الله تلك البداية، وأبدأ الهداية بخليفته أميرِ المؤمنين المشرقِ الجبين، عن أنوار
الفتح المبين، ثم وَلَّى أمْرَهُ العزيز احتياطاً للدين ابنَه الخليفة الأهدَى أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين
الذي يأوِي العدلُ منه إلى (رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، المأثور الآثار، الواضح الآيات وضوح النهار.
ثم انعقدت البيعةُ عنْ إِجْماعٍ من الجماعةِ الطَّاهرَة، والطائفةِ الظاهرةِ، عِلْماً منهم بمَخائِلِ الاعتِناءِ
الإلهيِّ ودلالاته، إذ الخلفاء ورثَةُ الأَنْبِيَاءِ، و (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ونظراً لِدينِ الله وعِصْمَةً لعبيده، وأخْذاً بعقودِه - كما
أمر - وعهودِه، للأمير الأجل المنصور الناصر لدين الله أبو يوسف بن الخليفة أمير المؤمنين بن
أمير المؤمنين، أيَّد الله أمرهم، وأعزَّ نصْرهم، فاستقرَّ الأمر في قراره، وانتهى إلى قُطْبِ مدارِه،
فاقْتدى بهم سَلَفُ الموحِّدين، وكافةُ المسلمين وبايعوه بيعةَ الرِّضْوان، وأعطوه صَفْقَةَ الأيْمَانِ ومَوَاثيقَ
الأَيْمَان، فشدَّتْ أركان الإِيمَانِ، ونفخَتِ الأرْواحُ في الأجسام، ونادى مُنادي الحقِّ في الأنام، هي بيعة
الرِّضوانِ يُشرعُ وسَطَها بابُ السلامةِ، فادخلوها بسلام، فتلقى عبيدُه كافةُ أهل (شريش) ذلك المنادي
أفواجاً، وسلكوا إلى الطاعة منهاجاً، وبادرُوا إلى الفَرْض الذي إليه البِدارُ يجِبُ، بقُلوبِ تكاد شوقاً إلى
ذكره - أيَّده الله - تَجِب، وبايعوه بيعة خالصة، أدّاها صفاءُ الاعتقادِ إلى الأَلسنة، وخطَّ الأيدي منْ
حاضرٍ وبادٍ بإخلاصٍ من الضمائِرِ، في السرائر والظواهر، على الأمْنِ والأمانة، والعدل والسَّمْع
والطاعَةِ، في المَنْشَطِ والمَكَْْرَهِ، والعُسر واليُسر، اقتداءً ببيعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الرِّضوانية، وأخْذاً بالمواثيق والعُهُودِ الأَيْمَانِيَة،