ولمَّا قعَدَ بي عنْ قصْدِكَ ما قَعَدَ، ولمْ يُمَكنِّي الوفودُ عليكَ في جُمْلَةِ منْ وفد، استنَبْتُ كتابي منابي،
والسلام.
قال أبو إسحاق:
وأبو القاسم بن الجد هذا ممن له في الآداب السبقُ والتقديمُ، وفي المجد والحسب محلٌّ إلى جانب
الجوزاء مقيمٌ، وكان مليحَ الكلامِ في المنثور والمنظوم، تصرَّفَ في النوعين تصرُّفاً غير مذموم.
وهو القائل في صفة المطر بعد تمادي القَحْطِ وتوالي الكَدَر:
لله تعالى في عباده أسرارٌ، لا تُدْرِكُها الأفكار، وأحكامٌُ، لا تنالُها الأوهامُ، تختلفُ والعدلُ متفرّقُ
وتفترق والفضلُ مجْتَمعٌ مُتَّسق، ففي مِنحها نفائسُ المأمولِ، وفي مِحَنها مداوِسُ العُقول، وفي فوائدها
حدائقُ الإنْعامِ رائقةٌ، وبينَ أرجاءِ شدائدها بوارقُ الإعذار والإنذار خافقة، وربَّما تفتَّحت كمائم
النَّوائب عنْ زهْرِ المواهب، وانسكبتْ غمائمُ الرَّزَايا، بنفحاتِ العطايا، وَصَدَعَ ليلَ اليَأْسِ صُبْحُ
الرَّجاءِ، وخلعَ عامِلَ البَأْسِ وَالِي الرخاء، وذلك بتدبير اللطيف الخبير، وتقديرِ العزيزِ القدير.
ولمَّا ظَنَّتْ بِتَثَبُّطِ الغيثِ الظُّنون، وانْقَبَضَ منْ تَبَسُّطِ الشَّكِّ اليَقِينُ، واسْتَرابَتْ حِياضُ الوِهادِ، بعُهودِ
العهادِ، وتأهَّبَتْ رياضُ النِّجَادِ، لبُرودِ الحداد،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute